للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَلَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ) ولفظ البخاريّ: "فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن"، كرر ذلك تأكيدًا لمنع الجمع بين فاطمة، وبين ابنة أبي جهل، لِمَا خاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على فاطمة من الفتنة، من أجل الغَيْرة، ولِمَا توقع من مُناكدة هذه الضَّرَّة؛ لأنَّ عداوة الآباء قد تؤثر في الأبناء، قاله القرطبيّ -رحمه الله- (١).

وقال في "الفتح": فيه إشارة إلى تأبيد مدة منع الإذن، وكأنه أراد رفع المجاز؛ لاحتمال أن يُحمل النفي على مدة بعينها، فقال: "ثم لا آذن"؛ أي: ولو مضت المدة المفروضة تقديرًا لا آذن بعدها، ثم كذلك أبدًا، وفيه إشارة إلى ما في حديث الزهريّ من أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا، وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل؛ لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة، وقد أسلم أخواه: الحارث بن هشام، وسلمة بن هشام، عام الفتح، وحسن إسلامهما، ويؤيد ذلك جوابهما المتقدم لعليّ، وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة: عكرمة بن أبي جهل بن هشام، وقد أسلم أيضًا، وحسن إسلامه، والمخطوبة تزوجها عَتّاب بن أَسِيد بن أبي العِيص لمّا تركها عليّ -رضي الله عنه- (٢).

(إِلَّا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ) هو عليّ -رضي الله عنه-، فكأنه كَرِه ذلك من عليّ، فلذلك لم يقل: علي بن أبي طالب (٣). (أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي، وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ) هذا محمول على أن بعض من يُبغض عليًّا وشى به أنه مصمِّم على ذلك، وإلا فلا يُظَنّ به أنه يستمر على الْخِطبة بعد أن استشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فمنعه، وسياق سُويد بن غَفَلة يدلّ على أن ذلك وقع قبل أن تعلم به فاطمة، فكأنه لما قيل لها ذلك، وشَكَت إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أعلمه علي أنه ترك أنكر عليه ذلك، وزاد في رواية الزهريّ: "وإني لست أحرّم حلالًا، ولا أحلّل حرامًا، ولكن والله لا تُجمع بنت رسول الله، وبنت عدوّ الله عند رجل أبدًا"، وفي رواية مسلم الآتي بعد حديث: "مكانًا واحدًا أبدًا"، وفي رواية شعيب: "عند رجل واحد أبدًا".


(١) "المفهم" ٦/ ٣٥٣.
(٢) "الفتح" ١١/ ٦٨١، كتاب "النكاح" رقم (٥٢٣٠).
(٣) "عمدة القاري" ٢٠/ ٢١٢.