مسلم أن في رواية سعيد بن سلمة بالفاء في الموضعين، وفي رواية أبي عبيد:"ولا تنقل"، وكذا للزبير عن عمه مصعب، ولأبي عوانة:"ولا تنتقل"، وفي رواية عن ابن الأنباريّ:"ولا تغث" بمعجمة، ومثلثة؛ أي: تفسد، وأصله من الغثة، بالضم: وهي الوسوسة، وفي رواية للنسائيّ:"ولا تُفِشُّ ميرتنا تفشيشًا" بفاء، ومعجمتين، من الإفشاش: طَلَب الأكل من هنا وهنا، ويقال: فَشّ ما على الخوان: إذا أكله أجمع.
ووقع عند الخطابيّ:"ولا تفسد ميرتنا تغشيشًا" بمعجمات، وقال: مأخوذ من غشيش الخبز: إذا فسد، تريد أنها تحسن مراعاة الطعام، وتتعاهده، بأن تطعم منه أوّلًا طريًّا، ولا تغفله، فيفسد.
وقال القرطبيّ: فسَّره الخطابيّ بأنها لا تفسد الطعام المخبوز، بل تتعهده، بأن تطعمهم منه أوّلًا فأوّلًا، وتبعه المازريّ، وهذا إنما يتمشى على الرواية التي وقعت للخطابيّ، وأما على رواية الصحيح:"ولا تملأ" فلا يستقيم، وإنما معناه: أنها تتعهده بالتنظيف.
والحاصل: أن الرواية في الأُولى كما في الأصل: "ولا تنقث ميرتنا تنقيثًا"، وعند الخطابيّ:"ولا تفسد ميرتنا تغشيشًا" بالغين المعجمة، واتفقتا في الثانية على:"ولا تملأ بيتنا تعشيشًا"، وهي بالعين المهملة، وعلى رواية الخطابيّ هي أقعد بالسجع، أعني تعشيشًا من تنقيثًا، والله أعلم.
(وَلَا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا) بالعين المهملة، ثم معجمتين؛ أي: أنها مُصلحة للبيت، مهتمة بتنظيفه، وإلقاء كناسته، وإبعادها منه، وإنها لا تكتفي بقَمّ كناسته، وتَرْكها في جوانبه، كأنها الأعشاش
وفي رواية الطبرانيّ:"ولا تعش" بدل: "ولا تملأ"، ووقع في رواية سعيد بن سلمة التي علّقها البخاريّ بعدُ بِالغين المعجمة، بدل المهملة، وهو من الغشّ ضدّ الخالص؛ أي: لا تملؤه بالخيانة، بل هي ملازمة للنصيحة فيما هي فيه، وقال بعضهم: هو كناية عن عِفّة فرجها، والمراد أنها لا تملأ البيت وسخًا بأطفالها من الزنا، وقال بعضهم: كناية عن وصفها بأنها لا تأتيهم بشرّ، ولا تهمة، وقال الزمخشريّ في "تعشيشًا" بالعين المهملة: يَحْتَمِل أن يكون من عششت النخلة: إذا قَلّ سَعَفها؛ أي: لا تملؤه اختزالًا وتقليلًا لِمَا فيه.