للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في حال غيرتها، وليس ذلك أخذًا صحيحًا؛ لأنَّ الغيرة هنا جزءُ السَّبب، لا كل السَّبب، وذلك أن عائشة -رضي الله عنها- اجتمع فيها تلك الأمور الثلاثة: الغيرة، والشباب -ولعل ذلك كان قبل بلوغها- والدَّلال، وذلك أنها: كانت أحب نسائه إليه بعد خديجة، فإحالة الصَّفح عنها على بعض هذه الأمور دون بعض تحكُّم، لا يقال: إنما يصحُّ إسناد الصَّفح إلى الغيرة؛ لأنَّها هي التي نصَّت عليها عائشة فقالت: "فغِرت"؛ لأنَّا نقول: لو سلّمنا أن غيرتها وحدها أخرجت منها ذلك القول لَمَا لزم أن تكون غيرتها وحدها هي الموجبة للصفح عنها، بل يَحْتَمِل: أن تكون الغيرة وحدها، ويَحْتمل أن تُعتبر باقي الأوصاف، لا سيما ولم ينص النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على المسقط ما هو، فبقي الأمر محتملًا للأمرين، فلا تكون فيه حجَّة على ذلك، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي قريبًا التعقّب على كلام القرطبيّ هذا، فلا تغفل، وبالله تعالى التوفيق.

وقولها: (حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ) بالجرّ صفة ثانية لـ "عجوز".

وقال أبو البقاء: يجوز في "حمراء" الرفع على القطع، والنصب على الصفة، أو الحال (٢)، قال في "الفتح": والموجود في جميع النسخ، وفي مسلم: "حمراء" بالمهملتين، وحَكَى ابن التين أنه رُوي بالجيم، والزاي، ولم يذكر له معنى، وهو تصحيف، والله أعلم.

قال النوويّ -رحمه الله-: قولها: "حمراء الشدقين": معناه: عجوز كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكِبَر، ولم يبق لِشِدْقها بياض شيء من الأسنان، إنما بقي فيه حمرة لِثّاتها. انتهى (٣).

وقال القرطبي -رحمه الله-: قيل: معنى حمراء الشدقين: بيضاء الشدقين، والعرب تُطلق على الأبيض: الأحمر كراهةَ اسم البياض؛ لكونه يشبه البرص، ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يقول لعائشة: "يا حميراء"، ثم استبعد القرطبيّ هذا؛ لكون


(١) "المفهم" ٦/ ٣١٨.
(٢) "إعراب الحديث النبويّ" لأبي البقاء العكبريّ ص ٣٤٢ رقم (٤١١).
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ٢٠٢.