للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عائشة أوردت هذه المقالة مورد التنقيص، فلو كان الأمر كما قيل لنَصَّت على البياض؛ لأنه كان يكون أبلغ في مرادها، قال: والذي عندي أن المراد بذلك: نِسبتها إلى كِبَر السنّ؛ لأن من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه يغلب على لونه غالبًا الحمرة المائلة إلى السمرة.

قال الحافظ: كذا قال، والذي يتبادر أن المراد بالشدقين: ما في باطن الفم، فكَنَت بذلك عن سقوط أسنانها حتى لا يبقى داخل فمها إلا اللحم الأحمر من اللِّثَةِ وغيرها، وبهذا جزم النوويّ وغيره. انتهى (١).

(هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، فَأَبْدَلَكَ) ولفظ البخاريّ: "قد أبدلك" (اللهُ خَيْرًا مِنْهَا؟ ") " قال القرطبيّ -رحمه الله-: تعني بـ "خيرًا": أجمل، وأشبّ -وتعني: نفسها-، لا أنها خير منها عند الله، وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لِمَا تقدَّم من الأحاديث التي ذكرناها في صدر الكلام، وكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت، يدلّ على عظيم قَدْرها عنده، ومحبته لها، وعلى فضل خديجة أيضًا؛ لأنها اختصَّت برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يشاركها فيه أحد؛ صيانة لقلبها من التَّغيير والغَيْرة، ومن مناكدة الضرة. انتهى (٢).

وقال ابن التين -رحمه الله-: في سكوت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة -رضي الله عنها-، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا: حُسْن الصورة، وصِغَر السنّ. انتهى.

وتعقّبه الحافظ، فقال: ولا يلزم من كونه لم يُنقل في هذه الطريق أنه -صلى الله عليه وسلم- ردّ عليها عدم ذلك، بل الواقع أنه صدر منه ردّ لهذه المقالة، ففي رواية ابن أبي نجيح، عن عائشة، عند أحمد، والطبرانيّ في هذه القصة: "قالت عائشة: فقلت: أبدلك الله بكبيرة السنّ حديثة السنّ، فغضب، حتى قلت: والذي بعثك بالحقّ لا أذكرها بعد هذا إلا بخير".

وهذا يؤيد ما تأوله ابن التين في الخيرية المذكورة، والحديث يفسِّر بعضه بعضًا.


(١) "الفتح" ٨/ ٥٢٩. ٥٣٠، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٨٢١).
(٢) "المفهم" ٦/ ٣١٨.