للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره؛ لِمَا غلب عليه من الصلابة المذكورة.

قال الزين ابن المنير: وإنما قال ذلك عمر حرصًا على النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومشورةً، لا إلزامًا، وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أَذِن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النصّ، كما تمسَّك به قوم في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظهر له فقط، ولهذا احْتَمَل منه النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخْذَه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتى التفتَ إليه متبسمًا، كما في حديث ابن عباس بذلك. انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا خَيَّرَنِيَ اللهُ، فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَو لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية [التوبة: ٨٠]، وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ") في حديث ابن عباس عن عمر من الزيادة: "فتبسَّم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال: أَخِّر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خُيِّرت، فاخترت"؛ أي: خُيِّرت بين الاستغفار وعدمه، وقد بيَّن ذلك حديث ابن عمر حيث ذكر الآية المذكورة، وقوله في حديث ابن عباس، عن عمر: "لوأعلم أني إن زدت على السبعين يُغفر له لَزِدْتُ عليها"، وحديث ابن عمر جازم بقصة الزيادة، وآكد منه ما روى عبد بن حميد من طريق قتادة، قال: لمّا نزلت: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَو لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} قال النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قد خيَّرني ربي، فوالله لأزيدنّ على السبعين"، وأخرجه الطبريّ من طريق مجاهد مثله، والطبريّ أيضًا، وابن أبي حاتم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه مثله، وهذه طُرُقٌ، وإن كانت مراسيل، فإن بعضها يعضد بعضًا، وقد خَفِيت هذه اللفظة على من خَرَّج أحاديث "المختصر"، و"البيضاويّ"، واقتصروا على ما وقع في هذا الباب.

ودلّ ذلك على أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له.

وقد ورد ما يدلّ على ذلك، فذكر الواقديّ أن مُجَمِّع بن جارية قال: "ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطال على جنازة قطّ ما أطال على جنازة عبد الله بن أُبَيّ من الوقوف".


(١) "الفتح" ١٠/ ١٩١ - ١٩٢، كتاب "التفسير" رقم (٤٦٧٠).