للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

القرطبيّ -أقرب من الأول؛ لأنه لم يتقدم النهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث: "قال: فأنزل الله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} ".

والذي يظهر أن في رواية الباب تجوّزًا بيَّنته الرواية الأخرى عن عبد الله بن عمر، بلفظ: "فقال: تصلي عليه، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم".

ورَوَى عبد بن حميد، والطبريّ من طريق الشعبيّ، عن ابن عمر، عن عمر، قال: "أراد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلي على عبد الله بن أُبَيّ، فأخذت بثوبه، فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} ".

ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "فقال عمر: أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: أين؟ قال: قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية"، وهذا مثل رواية الباب، فكأن عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب، من أن "أو" ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور؛ أي: إن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء، وهو كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لم تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، لكن الثانية أصرح، ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة.

وفَهِم عمر أيضًا من قوله: {سَبْعِينَ مَرَّةً} أنها للمبالغة، وأن العدد المعيَّن لا مفهوم له، بل المراد نفي المغفرة لهم، ولو كَثُر الاستغفار، فيحصل من ذلك النهي عن الاستغفار، فأَطْلَقه.

وفَهِم أيضًا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة للميت، والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهي عن الاستغفار تَرْك الصلاة، فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أُبَيّ.

هذا تقرير ما صدر عن عمر، مع ما عُرِف من شدّة صلابته في الدين، وكثرة بُغضه للكفار والمنافقين، وهو القائل في حقّ حاطب بن أبي بلتعة، مع ما كان له من الفضل، كشهوده بدرًا، وغير ذلك؛ لكونه كاتَبَ قريشًا قبل الفتح: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقد نافق، فلذلك أقدم على كلامه