قال: أهلكك حب يهود، فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه، يكفن فيه، فأجابه"، وهذا مرسلٌ، مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبرانيّ من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "لما مَرِض عبد الله بن أُبَيّ جاءه النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكلمه، فقال: قد فَهِمت ما تقول، فامنن عليّ، فكفّنّي في قميصك، وصلّ عليّ، ففعل"، وكأن عبد الله بن أُبَيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده، وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحَسَب ما ظهر من حاله، إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك، وهذا من أحسن الأجوبة فيما يتعلق بهذه القصة، قاله في "الفتح" (١).
(فَسَأَلَهُ)؛ أي: سأل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ)؛ أي: في ذلك القميص، (أَبَاهُ) عبد الله بن أُبَيّ، (فَأَعْطَاهُ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القميص (ثُمَّ سَأَلَهُ)؛ أي: سأل عبد الله النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ)؛ أي: على أبيه، (فَقَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ) في حديث ابن عبّاس عن عمر: "فلما قام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .. "، وفي حديث الترمذيّ: "فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه، وَثَبْتُ إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلّي على ابن أُبَيّ؟ وقد قال يوم كذا: كذا وكذا، أُعَدِّد عليه قوله"، يشير بذلك إلى مثل قوله:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} الآية [المنافقون: ٧]، وإلى مثل قوله:{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} الآية [المنافقون: ٨].
(فَقَامَ عُمَرُ) بن الخطّاب (فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَتُصَلِّي عَلَيْه، وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟) قال في "الفتح": كذا في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، وقد استُشكل جدًّا حتى أقدم بعضهم، فقال: هذا وَهَمٌ من بعض رواته، وعاكسه غيره، فزعم أن عمر اطَّلَع على نهى خاصّ في ذلك، وقال القرطبيّ: لعل ذلك وقع في خاطر عمر، فيكون من قبيل الإلهام، ويَحْتَمِل أن يكون فَهِم ذلك من قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: ١١٣]، قال الحافظ: الثاني -يعني: ما قاله