للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لكن غَلَب على مبركها حول الحوض، ووقع في رواية أبي بكر بن سالم، عن أبيه، عند أبي بكر بن أبي شيبة: "حتى رَوِيَ الناسُ، وضربوا بعطن"، ووقع في رواية همام: "فلم يزل ينزِع حتى تولى الناسُ، والحوض يتفجر"، وفي رواية أبي يونس: "ملآن ينفجر".

قال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر، وقيل: هو لخلافتهما معًا؛ لأن أبا بكر جَمَع شَمْل المسلمين أوّلًا بدفع أهل الردّة، وابتدأت الفتوح في زمانه، ثم عَهِدَ إلى عمر، فكثرت في خلافته الفتوح، واتسع أمر الإسلام، واستقرت قواعده.

وقال غيره: معنى عِظَم الدلو في يد عمر: كون الفتوح كثرت في زمانه، ومعنى "استحالت": انقلبت من الصِّغَر إلى الكِبَر.

وقال النوويّ: قالوا: هذا المنام مثال لِمَا جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقَرَّر قواعد الدين، ثم خَلَفه أبو بكر، فقاتل أهل الردّة، وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر، فاتسع الإسلام في زمنه، فشَبَّهَ أمرَ المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم، وصلاحهم، وشَبَّهَ بالمستقى لهم منها، وسقيُهُ هو قيامه بمصالحهم.

وفي قوله: "ليريحني" إشارة إلى خلافة أبي بكر بعد موت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن في الموت راحةً من كَدَر الدنيا، وتعبها، فقام أبو بكر بتدبير أمر الأمة، ومعاناة أحوالهم.

وأما قوله: "وفي نزعه ضعف" فليس فيه حطّ من فضيلته، وإنما هو إخبار عن حاله في قِصَر مدة ولايته، وأما ولاية عمر، فإنها لمّا طالت كَثُر انتفاع الناس بها، واتسعت دائرة الإسلام بكثرة الفتوح، وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين.

وأما قوله: "والله يغفر له" فليس فيه نقص له، ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذَنْب، وإنما هي كلمة كانوا يقولونها، يدعمون بها الكلام. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ١٦/ ٣٧٧ - ٣٧٨، كتاب "التعبير" رقم (٧٠١٩).