للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: هو بالذال المعجمة المفتوحة، وهي بمعنى: المذمَّة -بفتح الذال، وكسرها- وهي: الرقة، والعار مِن تَرْك الحرمة، يُقال: أخذتني منه مذمّةٌ ومذِمَّة، وذمامة، بمعناه، وكأنه استحيا من تكرار مخالفته، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار (١).

(قَالَ) موسى (إِنْ سَأَلْتُكَ) هذه مشارطة، والمسلمون عند شرطهم، (عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا)؛ أي: بعد هذه المرّة، (فَلَا تُصَاحِبْني)؛ أي: لا تتركني أصحبك، وقوله: (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) تعليل لعدم مصاحبته، ومعناه: بلغت مبلغًا تُعذر به في ترك مصاحبتي، قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْ صَبَرَ) موسى (لَرَأَى الْعَجَبَ)؛ أي: شيئًا كثيرًا مما يفعله الخضر من الغرائب. (قَالَ) أُبيّ بن كعب (وَكَانَ) -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ) -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: ("رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَخِي كَذَا) كناية عن اسم الشخص الذي يذكره في الدعاء، وقوله: (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا) تأكيد للأول، ورواه أبو داود بلفظ: "وكان إذا دعا بدأ بنفسه، وقال: رحمة الله علينا، وعلى موسى"، قال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "رحمة الله علينا، وعلى موسى" قال الراوي: وكان إذا ذَكَر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه، هذا إنما كان يفعله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الأدعية، وأشباهها، مما يعود عليه بالثواب والأجر الأخرويّ، حرصًا على تحصيل المنازل الرفيعة عند الله تعالى، كما قال في الوسيلة: "إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو"، رواه مسلم.

وحاصله: أن القرب من الله تعالى، وثوابه ليس مما يُؤثَر الغير به، بل تنبغي المنافسة فيه، والمسابقة إليه، بخلاف أمور الدنيا، وحظوظها؛ فإنَّ الفضل في تَرْكها، وإيثار الغير بما يحوز منها. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": وقد ترجم البخاريّ في "الدعوات": "من خَصَّ أخاه بالدعاء دون نفسه"، وذكر فيه عدة أحاديث، وكأنه أشار إلى أن هذه الزيادة، وهي: "كان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه"، لم تثبت عنده، وقد سئل أبو حاتم الرازي عن زيادة، وقعت في قصّة موسى والخضر من رواية أبي إسحاق


(١) "المفهم" ٦/ ٢٠٦.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٠٦.