سؤاله، والمبالغة في احترامه وإعظامه، ومن لم يفعل هكذا فليس على سنة الأنبياء، ولا على هديهم، كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يُجِلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه"(١).
(قَالَ) الخضر (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لِمَا أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار، إذا رأى ما يخالف الشرع؛ لأن ذلك شأن عصمته، ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة، بل مشى معه ليشاهد منه ما اطّلع به على منزلته في العلم الذي اختص به. (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا؟) استفهام عن سؤال، تقديره: لِمَ قلت إني لا أصبر، وأنا سأصبر، قال: كيف تصبر؟ قال الخضر (شَيْءٌ)؛ أي: هذا الذي أفعله مما تراه أنت مخالفًا للشرع شيء (أُمِرْتُ بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: أمرني الله تعالى (أَنْ أَفْعَلَهُ)؛ أي: فِعْله، (إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ) لمخالفته ما عندك من الشرع. (قَالَ) موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا، وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) قيل: استثنى في الصبر، فصبر، ولم يستثن في العصيان، فعصاه، قال الحافظ: وفيه نظرٌ، وكأن المراد بالصبر أنه صبر على اتّباعه، والمشي معه، وغير ذلك، لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع. (قَالَ) الخضر (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)، وفي رواية:"حتّى أبيّن لك شأنه".
(فَانْطَلَقَا)؛ أي: ذهبا على ساحل البحر، وفي رواية:"فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، ليست لهما سفينة، فمرّت بهما سفينة، فكلّموهم أن يحملوهما، فعُرف الخضر، فحملوهما بغير نَوْل"، وفي رواية ابن أبي حاتم قال:"فناداهم خضر، وبيّن لهم أن يعطي عن كل واحد ضُعف ما حَمَلوا به غيرهم، فقالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالًا في مكان مخوف، نخشى أن يكونوا لصوصًا، فقال: لأحملنّهم، فإني أرى على وجوههم النور، فحملهم بغير أجرة"، وذكر النقاش في "تفسيره": "أن أصحاب السفينة كانوا سبعةً، بكل واحد زمانة، ليست في الآخر".