للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(قَالَ) موسى: أنا (مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟) قال القاضي عياض: ضبطناه "مجيءُ" مرفوعًا غير منوّن عن بعضهم، وعن بعضهم منوَّنًا، قال: وهو أظهر؛ أي: أمر عظيم جاء بك.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "مجيء ما جاء بك" قيَّدها ابن ماهان بالهمز والتنوين، وعلى هذا تكون "ما" نكرة صفة لمجيء، وهي التي تكون للتفخيم والتعظيم؛ كقولهم: لأمرٍ ما يسوَّدُ من يسوَّدُ، ولأمرٍ ما تدرَّعت الدروع، فيكون معناه: مجيءٌ عظيمٌ، وأمرٌ مهمٌ حملك على أن تركت ما كنت عليه من أمر بني إسرائيل، واقتحمت الأسفار، وقطعتَ المفاوز والقفار، وقد زاد فيه بعض الرواة: "أن الخضر قال له: وعليك السلام، أنَّى بأرضنا يا نبي بني إسرائيل، أما كان لك فيهم شغل؟! قال: بلى ولكني أُمرت أن أصحبك، مستفيدًا منك"، فأجاب بجواب المتعلم المسترشد بين يدي العالم المرشد، ملازمًا للأدب والحرمة، ومعظِّمًا لمن شرَّفه الله بالعلم، وأعلى رَسْمَه، فقال: "جئتُك لتعلّمني مما عُلّمت رُشْدًا".

(قَالَ) موسى (جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) قرأ أبو عمرو بفتحتين، والباقون كلهم بضم أوله، وسكون ثانية، والجمهور على أنهما بمعنى؛ كالْبَخَلِ، والْبُخْل، وقيل: بفتحتين: الدِّين، وبضم، ثم سكون: صلاح النَّظَر، وهو منصوب على أنه مفعول ثان "لتعلمني"، وأبعد من قال: إنه لقوله: "عُلِّمت" (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قرأه الجماعة بضم الراء، وسكون الشين، وقرأه يعقوب، وأبو عمرو بالفتح فيهما، وهما لغتان، ويقال: رَشَدَ: بالفتح يرشُد رُشدًا بالضم، ورَشِد بالكسر يَرشَد رَشدًا بالفتح، ومعنى الرشد: الاستقامة في الأمور، وإصابة وجه السّداد، والصواب فيها، وضده الغي، وهو منصوب على المصدر، ويكون في موضع الحال، ويصح أن يكون مفعولًا من أجله.

وفيه من أدب الفقه التذلل، والتواضع للعالم، وبين يديه، واستئذانه في


(١) "الفتح" ١٠/ ٣٢٨.