للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيها: أراني زيدًا عمرًا ما صنع، وتقول هذا على معنى أعلم، وشذّت أيضًا، فأخرجتها عن موضعها بالكلّيّة بدليل دخول الفاء، ألا ترى قوله: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي}، فما دخلت الفاء إلا وقد أُخرجت إلى معنى أمّا، أو تنبّه، والمعنى: أمّا إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت، قال: وإذا كانت بمعنى "أخبرني" فلا بُدّ بعدها من الاسم المستخبَر عنه، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام، وقد تخرج لمعنى أمّا، ويكون بعدها الشرط وظرف الزمان، فقال: "فإني نسيت"؛ معناه: أما إذ أوينا، فإني، أو تنبّه إذ أوينا، وليست الفاء إلا جوابًا لـ "أرأيت"؛ لأن "إذ" لا يصحّ أن يجازى بها إلا مقرونة بـ "ما" بلا خلاف. انتهى.

(إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ) التي بمجمع البحرين، (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ)؛ أي: ذِكر الحوت، وما جرى له من الحياة، واضطرابه في البحر، (وَمَا أَنْسَانِيهُ) قرأ حفص بضمّ الهاء، وكذا في قوله تعالى: {عَلَيْهُ اللَّهَ} في "سورة الفتح"، قيل: لأن الياء (١) هنا أصلها الفتح، والهاء بعد الفتحة مضمومة، فنَظَر هنا إلى الأصل، وأما في "سورة الفتح" فلأن الياء عارضة؛ إذ أصلها الألف، والهاء بعد الألف مضمومة، فنَظَر إلى الأصل أيضًا، والباقون بالكسر نظرًا إلى اللفظ، فإنها بعد ياء ساكنة، وقد جمع حفص في قراءته بين اللغات في هاء الكناية، فإنه ضمّ الهاء في {أَنْسَانِيهُ} في غير صلة، ووَصَلها بياء في قوله: {فِيهِ مُهَانًا}، وقرأ كأكثر القرّاء فيما سوى ذلك (٢).

(إِلَّا الشَّيْطَانُ)، وقوله: (أَنْ أَذْكُرَهُ) في محل نصب على البدل من هاء "أنسانيه" بدل اشتمال؛ أي: أنساني ذِكره، (وَاتَّخَذَ) فاعله ضمير الحوت، أو ضمير موسى (٣). (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)؛ أي: سبيلًا عجبًا، وهو كونه كالسراب، أو اتخاذًا عجبًا، وموضع العجب أن يكون حوتٌ قد مات يؤكل شقّه، ثم حيي بعد ذلك. (قَالَ) موسى (ذَلِكَ)؛ أي: فَقْدنا الحوت، (مَا كُنَّا


(١) أي: ياء "نسي".
(٢) "الدرّ المصون في علوم كتاب الله المكنون" ٧/ ٥٢٢ - ٥٢٣.
(٣) راجع: "الدرّ المصون" ٧/ ٥٢٣.