وقيل: معنى {اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف: ٥٢] أي لا يصلح، فاستعار الهداية للإصلاح، وهذا كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٨١]، والمعنى لا يوفّقهم لعمل أهل الخير.
قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}[البقرة: ١٤٣]، أشار به إلى من هداه الله بالتوفيق المذكور في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: ١٧]. قال بعضهم: الهداية والْهُدى في موضوع اللغة واحد، ولكن خصّ الله تعالى لفظ الْهُدَى بما تولّاه وأعطاه، واختصّ به هو دون ما هو إلى الإنسان، نحو {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢].
والاهتداء يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار، إما في الأمور الدنيويّة، أو الأخرويّة، كقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام: ٩٧]، فهذا يجوز أن يكون للهدايتين؛ لأنهم يهتدون بها في أسفارهم، وإلى الجهة التي يتعبّدون إليها لله تعالى.
ويقال أيضًا: اهتدى: إذا طلب الهداية، ومنه قوله تعالى:{قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[الأنعام: ٥٦]، وإذا تَحَرَّاهَا أيضًا، ومنه {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)} [البقرة: ٥٣]، أي تتحرّون هدايتكم فيهما، والاهتداء أيضًا: الاقتداء بالعلماء، ومنه قوله تعالى:{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[المائدة: ١٠٤]، تنبيهًا على أنهم لا يعلمون بأنفسهم، ولا يقتدون بمن يَعلَم، وقوله تعالى:{فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ}[الزمر: ٤١] هذا يتناول وجوه الاهتداء المتقدّمة بأسرها، من طلب الهداية، وتحريّها، والاقتداء بالعلماء.
وقيل في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)} [طه: ٨٢]، أي ثم أدام طلب الهداية، ولم يَفْتُر عن تحرّيها، ولم يرجع إلى المعصية، وفي قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة: ١٥٧]، أي تَحَرَّوا الهداية وقَبِلوها، وعَمِلوا بها، ولم يُخِلُّوا بشرائطها. انتهى كلام الراغب مختصرًا (١).
والحاصل أن الهداية تُطلق على البيان، والإرشاد، كما قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنَّكَ