يهدي أحدًا إلَّا بالدعاء، وتعريف الطرق، دون سائر أنواع الهدايات.
وإلى الأولى أشار بقوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢]، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد: ٧]، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: ٥٦].
قال: وكلُّ هداية ذكر الله تعالى أنه منعَ الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختصّ به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة، وإدخال الجنّة {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[آل عمران: ٨٦].
وكلُّ هداية نفاها الله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن البشر، وذَكَر أنهم غير قادرين عليها، فهي ما عدا المختصّ من الدعاء، وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل والتوفيق، وإدخال الجنّة، كقوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: ٥٦].
وقولُهُ تعالى:{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}[يونس: ٣٥]، أي: أن الله تعالى هو الذي يَهْدي خلقه إلى الحقّ، فهو أحقّ بالاتّباع ممن لا يَهدي أن يهتدي بنفسه، يقال: هدى بنفسه يَهدي مخفّفًا بمعنى اهتدى يهتدي، نحوُ شَرى يَشري بمعنى اشترى يشتري، إلَّا أن يُهدى إلى طريق يسلكها، أو عملٍ يرشده، وهذا استفهام توبيخ لهم على ما اتّخذوه من دون الله إلهًا يُعبَدُ، وإن كان من أشرف الناس وخيرهم، كالمسيح، وعُزير، والملائكة، يعني أن الله وحده هو الذي يهدي كلَّ أحد، وغيره لا يَهدي غيره إلَّا أن يهديه الله تعالى.
قال: ولَمّا كانت الهداية والتعليم يقتضي شيئين: تعريفًا من الْمُعَرّف، وتعرُّقًا من الْمُعَرَّف، وبهما تتمّ الهداية والتعليم، فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلِّم، ولم يحصل القبول صحّ أن يقال: لم يَهْد، ولم يُعلِّم؛ اعتبارًا بعدم القبول، وصحّ أن يقال: هَدَى وعَلّمَ؛ اعتبارًا ببذله، فإذا كان كذلك صحّ أن يقال: إن الله تعالى لم يَهْد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم، وصحّ أن يقال: هداهم وعلَّمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية، فعلى الاعتبار الأول قوله تعالى:{لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة: ١٠٩]، وعلى الثاني قوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧].