أصحابنا المتكلمون: التوفيقُ: خلقُ قدرة الطاعة، والخذلان خلق قدرة المعصية. انتهى (أَوْ) للشكّ من الراوي أيضًا (لَقَدْ هُدِيَ) بالبناء للمفعول أيضًا، قال الراغب الأصبهاني: الهداية: دلالة بلُطْفٍ، ومنه الهديّة، وهوادي الوحوش: المتقدّمات الهادية لغيرها، وخُصّ ما كان دلالةً بهَدَيتُ، وما كان إعطاءً بأهديتُ، ثم قال: إن قيل: كيف جَعَلْتَ الهداية دلالةً بلُطْفٍ، وقد قال الله تعالى:{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات: ٢٣]، وقال:{وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج: ٤]، قيل: ذلك استُعْمِلَ فيه استعمالَ اللفظ على التهكم مبالغةً في المعنى، كقوله:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: ٢١]، وقول الشاعر:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
قال: وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب:
[الأول]: الهداية التي عمّ بها كلَّ مكلَّف، من العقل، والفِطْنة، والمعارف الضروريّة، بل عمّ بها كلَّ شيء بقدر فيه حسب احتماله، كقوله تعالى:{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠].
[الثاني]: الهداية التي جَعَل للناس بدعائه إياهم على السنة الأنبياء، وإنزال القرآن، ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[الأنبياء: ٧٣].
[الثالث]: التوفيق الذي يختصّ به من اهتدي، وهو المعنّي بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: ١٧]، وقوله:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن: ١١].
[الرابع]: الهداية في الآخرة إلى الجنّة، وهو المعنيّ بقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}[الأعراف: ٤٣].
قال: وهذه الهدايات الأربع مرتّبة، فمن لم تحصل له الأولى لم تحصل له الثانية، بل لا يصحّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لم تحصل له الثالثة، والرابعة، ومن حصلت له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصلت له الثالثة فقد حصل له اللتان قبلها، ثم ينعكس، فقد تحصل الأولى، ولا يحمل الثاني، ويحصل الثاني، ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن