للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(بِذَلِكَ)؛ أي: بما بعثه الله به، (رَأْسًا) كناية عن عدم قبوله، وقال في "العمدة": قوله: "من لَمْ يرفع بذلك رأسًا"؛ يعني: تكبّر، يقال ذلك، ويراد به أنه لَمْ يلتفت إليه من غاية تكبّره. انتهى (١).

(وَلَمْ يَقْبَلْ) بالبناء للفاعل أيضًا، (هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) ببناء الفعل للمفعول، قال القرطبيّ: هذا مثال الطائفة الثالثة، وسكت عن الثانية، إما لأنَّها قد دخلت في الأُولى بوجه؛ لأنَّها قد حصل منها نَفْع في الدِّين، وإمَّا لأنه أخبر بالأهمّ، فالأهمّ، وهما الطائفتان المتقابلتان: العليا، والسفلي، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معنى الحديث، ومقصوده تمثيل الهدى الذي جاء به -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس.

فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر، فيَحْيَى بعد أن كان ميتًا، ويُنبت الكلأ، فينتفع بها الناس، والدوابّ، والزرع، وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يَبْلُغه الهدي، والعلم، فيحفظه، فيحيا قلبه، ويعمل به، ويعلّمه غيره، فينتفع، وينفع.

والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس، والدوابّ، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل، يستنبطون به المعاني، والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة، والعمل به، فهم يحفظونه، حتى يأتي طالبٌ محتاجٌ متعطِّشٌ لِمَا عندهم من العلم، أهل للنفع، والانتفاع، فيأخذه منهم، فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.

والنوع الثالث من الأرض: السِّباخ التي لا تُنبت، ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تُمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٨٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٨٤.