للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ) قال العلماء: لعل هذا كان قبل النهي عن مخاطبته - صلى الله عليه وسلم - باسمه قبل نزول قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣]، على أحد التفسيرين، قال قتادة: أُمروا أن يُعظِّموه ويُفخّموه، وقال غيره: ويدعوه بأشرف ما يُحبّ أن يُنادى به، يا رسول الله، يا نبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: ذلك أيضًا في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: ٢]، ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية، ولم تَبْلُغ الآيةُ هذا القائلَ (١).

وقال القرطبيّ: ونادى هذا الرجل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يا محمد، ويا ابن عبد المطّلب، ولم يناده بالنبوّه، ولا بالرسالة، إما لأنه لم يؤمن بعدُ - كما سيأتي - وإما لأنه باقٍ على صفة أهل البادية والأعراب؛ إذ لم يتأدّب بعدُ بشيء من آداب الشرع، ولا علم ما يجب عليه من توقير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الله تعالى قد نَهى أن يُنادى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يا محمد حين قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣]، انتهى (٢).

وقال القاضي عياض: وقد ورد في هذا الحديث أيضًا أنه ناداه: "يا رسول الله"، ولعلّ ذلك كان بعد تعليمه ما يجب عليه، أو تمكّن إسلامه، ومعرفة حقّ الرسالة؛ لأنه في أول وروده كان مسترشدًا، ومستفسرًا، انتهى (٣).

(أَتَانَا رَسُولُكَ) أي الشخص الذي أرسلته إلينا لتبليغ ما أُرسلت به، وقوله: (فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ) معَ تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيّاه دليل على أن "زَعَمَ" ليس مخصوصًا بالكذب، والقولِ المشكوك فيه، بل يكون أيضًا في القول المحقق، والصدق الذي لا شك فيه، وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث، وعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "زَعَم جبريل كذا" (٤)، وقد أكثر سيبويه، وهو


(١) "شرح النوويّ " ١/ ١٧٠.
(٢) "المفهم" ١/ ١٦٤ - ١٦٥.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ١٣٥ - ١٣٦.
(٤) هو ما أخرجه الدارميّ في "سننه" (٢٣٠٥) بسند صحيح عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الجهاد، فلم يَدَعْ شيئًا أفضل منه إلَّا الفرائض، فقام رجل فقال: يا رسول الله =