للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم أخرج بسنده عن عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كنت عند ابن عباس، إذ جاءه رجل، فقال: إني أردت أن أنمّي معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، سمعته يقول: "من صَوّر صورة، فإن الله معذبه يوم القيامة، حتى يَنفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا"، قال: فكبا لها الرجل كبوة شديدة، واصفَرّ وجهه، ثم قال: ويحك، إن أَبَيْتَ إلا أن تصنع، فعليك بهذه الشجر، وكل شيء ليس فيه روح.

وقد كان مجاهد، يكره صورة الشجر، قال أبو عمر: وهذا لا أعلم أحدًا تابعه على ذلك. وذكر ابن أبي شيبة، عن عبد السلام، عن ليث، عن مجاهد، أنه كان يكره أن يصوّر الشجر المثمر.

ومما يدل على أن الاختلاف في هذا الباب قديم، ما ذكره ابن أبي شيبة، عن ابن علية، عن ابن عون، قال: كان في مجلس محمد بن سيرين وسائد، فيها تماثيل عصافير، فكان أناس يقولون في ذلك، فقال محمد: إن هؤلاء قد أكثروا علينا، فلو حوّلتموها، وهذا من ورع ابن سيرين رحمهُ اللهُ. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ في كتابه "التمهيد" (١)، وهو بحث مفيد جدًّا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق من الأقوال وأدلّتها أن أرجحها أن الصور المحرّمة هي ما كانت لذوات الأرواح، وكانت منصوبة، وأما إذا كانت توطأ، وتمتهن، فلا بأس بها، وكذلك ما كان رقمًا في ثوب، إلا أن يكون منصوبًا، وكذلك إذا قُطع رأسها، وأصرح دليل على ذلك ما أخرجه النسائيّ بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "استأذن جبريل عليه السَّلام على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ادخل، فقال: كيف أدخل، وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تُقطَع رؤوسها، أو تُجعَل بساطًا يوطأ، فمانّا معشر الملائكة، لا ندخل بيتًا فيه تصاوير"، فإنه قد استثنى من الصور التي تمنع دخول الملائكة ما كانت مقطوعة الرأس، أو بساطًا يوطأ، وكذلك حديث أبي طلحة المذكور في الباب، فإنه نصّ في استثناء ما كان رقمًا في ثوب، وهذا كما سبق عن ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ


(١) "التمهيد" ٢١/ ١٩٥ - ٢٠١.