للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يُسبل إزاره، فقيل له في ذلك؟ فقال: إني حَمْشُ الساقين، فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساق، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين، والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة. والله أعلم.

وأخرج النسائي في "الكبرى"، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أخذ برداء سفيان بن سهيل، وهو يقول: "يا سفيان لا تُسبل، فإن الله لا يحب المسبلين". قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخّص مما ذُكر من الأدلة أن جرّ الإزار تحت الكعبين حرام، ولو لم يكن بقصد الخيلاء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعله من الْمَخِيلة، وأما إذا كان بقصد الخيلاء، فهو أشدّ تحريمًا، وله الوعيد المذكور في حديث الباب، وأما ما تقدّم من قول النوويّ: إنه مكروه تنزيهًا، فلا يخفى ضعفه، فتبصّر.

ومما يؤيّد أن الجرّ المذكور محرّم مطلقًا فَهُمْ أم سلمة - رضي الله عنها -، حينما سمعت من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قوله: "من جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه" قالت: فكيف تصنع النساء بذيولهنّ؟، قال: "يرخينه شبرًا. . ." الحديث.

قال في "الفتح": يستفاد من هذا الفهم - يعني: فهم أم سلمة هذا - التعقبُ على من قال: إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال، مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء، قال النووي: ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء، يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء.

ووجه التعقب أنه لو كان كذلك، لَمَا كان في استفسار أم سلمة، عن حكم النساء في جرّ ذيولهن معنى، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقًا، سواء كان عن مَخِيلة أم لا، فسألت عن حُكم النساء في ذلك؛ لاحتياجهنّ إلى الإسبال، من أجل ستر العورة؛ لأن جميع قدمها عورة، فبَيَّن لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط، وقد نقل عياض


(١) "الفتح" ١٣/ ٢٦٦ - ٢٦٨، كتاب "اللباس" رقم (٥٧٨٨).