الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} الآية [القصص: ٨٣]، فقد جمع الطبريّ بينه، وبين حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - بأن حديث عليّ - رضي الله عنه - محمول على من أحب ذلك؛ ليتعظم به على صاحبه، لا من أحب ذلك؛ ابتهاجًا بنعمة الله عليه، فقد أخرج الترمذيّ، وحسّنه، من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، رفعه:"إن الله يحب أن يَرَى أثر نعمته على عبده"، وله شاهد عند أبي يعلى، من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
وأخرج النسائيّ، وأبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم، من حديث أبي الأحوص، عوف بن مالك الجشميّ، عن أبيه، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال له - ورآه رَثّ الثياب -: "إذا آتاك الله مالًا، فلْيُرَ أثره عليك"؛ أي: بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله، من النفاسة والنظافة؛ ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع مراعاة القصد، وترك الإسراف؛ جمعًا بين الأدلة. انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الإسبال تحت الكعبين:
قال في "الفتح": في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء، فظاهر الأحاديث تحريمه أيضًا، ولكن استُدلّ بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء، على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال، محمول على المقيَّد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال، إذا سَلِم من الخيلاء، قال ابن عبد البرّ: مفهومه أن الجرّ لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أنّ جرَّ القميص وغيره من الثياب مذموم، على كل حال. وقال النووي: لا يجوز الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نصّ الشافعيّ على الفرق بين الجر للخيلاء، ولغير الخيلاء، قال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهية ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع، منع تحريم إن كان للخيلاء، وإلا فمَنْع تنزيه؛ لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة، فيجب تقييدها بالإسبال
(١) "الفتح" ١٣/ ٢٦٠ - ٢٦١، كتاب "اللباس" رقم (٥٧٨٨).