للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال: إن الخمر من العنب، ومن غير العنب: عمرُ، وعليّ، وسعيد، وابن عمر، وأبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة، ومن التابعين: سعيد بن المسيِّب، وعروة، والحسن، وسعيد بن جُبير، وآخرون، وهو قول مالك، والأوزاعيّ، والثوريّ، وابن المبارك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وعامة أهل الحديث.

ويمكن الجمع بأن من أطلق على غير المُتَّخَذ من العنب حقيقةً يكون أراد الحقيقة الشرعية، ومن نفى أراد الحقيقة اللغوية، وقد أجاب بهذا ابن عبد البرّ، وقال: إن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعيّ دون اللغويّ، والله أعلم.

قال الحافظ: وقد قدمت في "باب نزول تحريم الخمر، وهو من البُسر" إلزامَ من قال بقول أهل الكوفة: إن الخمر حقيقة في ماء العنب، مجازٌ في غيره، أنه يلزمهم أن يُجَوِّزوا إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - لمّا بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما كان يُطلق عليه لفظ الخمر حقيقةً ومجازًا، وإذا لم يُجَوّزوا ذلك صحّ أن الكل خمر حقيقةٌ، ولا انفكاك عن ذلك، وعلى تقدير إرخاء الْعِنَان والتسليم أن الخمر حقيقةٌ في ماء العنب خاصّةً، فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقةً؛ لحديث: "كلُّ مسكر خمر"، فكلّ ما اشتَدّ كان خمرًا، وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم، وبالله التوفيق. انتهى كلام الحافظ بطوله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الحافظ رحمه الله فيما ساقه من البحث الطويل ببيان أقوال أهل العلم، وأدلّتهم، وتحقيق ما هو الحقّ في المسألة بأدلته.

وخلاصة القول أنه قد تبيّن بهذا أن المذهب الحقّ، والقول الواجب الاتّباع هو ما ذهب إليه الجمهور من تحريم الخمر بأنواعها، وأنها كلّ ما خامر العقل، وأسكر، من أيّ نوع اتُّخذ، فلا فرق بين التمر، والزبيب، والعسل، والذّرَة، والشعير، والحنطة، وغير ذلك من أنواع الحبوب والثمار التي يُتخّذ


(١) "الفتح" ١٢/ ٦١٣ - ٦١٩، كتاب "الأشربة" رقم (٥٥٨٨).