الكرمانيّ: هذا تعريف بحَسَب اللغة، وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل، من عصير العنب خاصّة، كذا قال، قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن عمر ليس في مقام تعريف اللغة، بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعيّ، فكأنه قال: الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل، على أن عند أهل اللغة اختلافًا في ذلك.
ولو سُلِّم أن الخمر في اللغة يختص بالمتَّخَذ من العنب، فالاعتبار بالحقيقة الشرعية، وقد تواردت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى خمرًا، والحقيقة الشرعية مقدَّمة على اللغوية.
وقد ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة، والعنبة"، قال البيهقيّ: ليس المراد الحصر فيهما؛ لأنه ثبتٌ أن الخمر تُتَّخذ من غيرهما في حديث عمر، وغيره، وإنما فيه الإشارة إلى أن الخمر شرعًا لا تختص بالمتخذ من العنب.
قال الحافظ: وجعل الطحاويّ هذه الأحاديث متعارضة، وهي حديث أبي هريرة في أن الخمر من شيئين، مع حديث عمر، ومن وافقه أن الخمر تُتَّخذ من غيرهما، وكذا حديث ابن عمر:"لقد حُرّمت الخمر، وما بالمدينة منها شيء"، وحديث أنس يعني حديث الباب باختلاف ألفاظه:
منها:"إن الخمر حُرِّمت، وشرابهم الفضيخ"، وفي لفظ له:"وإنّا نَعُدّها يومئذ خمرًا"، وفي لفظ له:"إن الخمر يوم حُرِّمت البُسر والتمر"، قال: فلما اختلف الصحابة في ذلك، ووجدنا اتفاق الأمة على أن عصير العنب إذا اشتدّ، وغلى، وقذف بالزبد فهو خمر، وأن مستحله كافر دلّ على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة؛ إذ لو عملوا به لكفَّروا مستحلّ نبيذ التمر، فثبت أنه لم يدخل في الخمر غير المتخذ من عصير العنب. انتهى.
ولا يلزم من كونهم لم يكفّروا مستحلّ نبيذ التمر أن يمنعوا تسميته خمرًا، فقد يشترك الشيئان في التسمية، ويفترقان في بعض الأوصاف، مع أنه هو يوافق على أن حُكمَ المسكر من نبيذ التمر حُكمُ قليل العنب في التحريم، فلم تبق المشاححة إلا في التسمية.
والجمع بين حديث أبي هريرة وغيره بِحَمْل حديث أبي هريرة على