الغالب؛ أي: أكثر ما يُتخذ الخمر من العنب والتمر، ويُحْمَل حديث عمر، ومن وافقه، على إرادة استيعاب ذِكر ما عُهد حينئذ أنه يُتخذ منه الخمر.
وأما قول ابن عمر فعلى إرادة تثبيت أن الخمر يُطلق على ما لا يُتخذ من العنب؛ لأن نزول تحريم الخمر لم يصادف عند من خوطب بالتحريم حينئذ إلا ما يُتخذ من غير العنب، أو على إرادة المبالغة، فأطلق نفي وجودها بالمدينة، وإن كانت موجودة فيها بقلّة، فإن تلك القلة بالنسبة لكثرة المتخذ مما عداها كالعدم.
وقد قال الراغب في "مفردات القرآن": سُمّي الخصر؛ لكونه خامرًا للعقل؛ أي: ساترًا له، وهو. عند بعض الناس اسم لكل مسكر، وعند بعضهم للمتَّخَذ من العنب خاصّةً، وعند بعضهم للمتخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم لغير المطبوخ، فرجّح أن كل شيء يستر العقل يسمى خمرًا حقيقة، وكذا قال أبو نصر بن القشيريّ في "تفسيره": سُمّيت الخصر خمرًا؛ لسترها العقل، أو لاختمارها، وكذا قال غير واحد من أهل اللغة، منهم أبو حنيفة الدِّينَوَرِيُّ، وأبو نصر الجوهريّ، ونُقِل عن ابن الأعرابيّ قال: سُمِّيت الخمر؛ لأنها تُرِكَت حتى اختَمَرت، واختمارها تغيّر رائحتها، وقيل: سُمّيت بذلك؛ لمخامرتها العقل.
نعم جزم ابن سِيدَهْ في "المحكم" بأن الخمر حقيقةً إنما هي للعنب، وغيرها من المسكرات يُسَمَّى خمرًا مجازًا.
وقال صاحب "الفائق" في حديث: "إياكم والغبيراء، فإنها خمر العالَم": هي نبيذ الحبشة، متخذة من الذُّرة، سُمِّيت الغبيراء؛ لِمَا فيها من الْغَبَرة، وقوله:"خمر العالم"؛ أي: هي مثل خمر العالم، لا فرق بينها وبينها.
قال الحافظ: وليس تأويله هذا بأَولى عن تأويل من قال: أراد أنها معظم خمر العالم.
وقال صاحب "الهداية" من الحنفية: الخمر عندنا ما اعتُصِر من ماء العنب إذا اشتَدّ، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأهل العلم، قال: وقيل: هو اسم لكل مُسْكِر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر خمر"، وقوله:"الخمر من هاتين الشجرتين"، ولأنه من مخامرة العقل، وذلك موجود في كل مسكر.