عن عائشة:"أُهديَ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يأكله، فقام عليهم سائل، فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها: أتعطيه ما لا تأكلين؟ "، قال محمد: دَلّ ذلك على كراهته لنفسه ولغيره.
وتعقبه الطحاويّ باحتمال أن يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى:{وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} الآية [البقرة: ٢٦٧]، ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحَشَف التمر، وبحديث البراء:"كانوا يحبون الصدقة بأردأ تمرهم"، فنزلت:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الآية [البقرة: ٢٦٧]، قال: فلهذا المعنى كره لعائشة الصدقة بالضب، لا لكونه حرامًا. انتهى.
وهذا يدلّ على أنه فَهِم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم، والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه، وجنح بعضهم إلى التحريم، وقال: اختَلَفت الأحاديث، وتعذّرت معرفة المتقدِّم، فرجّحنا جانب التحريم؛ تقليلًا للنسخ. انتهى.
وتعقّبه الحافظ بأن دعواه التعذر ممنوعة؛ لِمَا تقدم، والله أعلم.
قال: ويُتعجب من ابن العربيّ حيث قال: قولهم: إن الممسوخ لا يُنسل دعوى، فإنه أمر لا يُعْرَف بالعقل، وإنما طريقه النقل، وليس فيه أمر يُعَوَّل عليه، كذا قال، وكأنه لم يستحضره من "صحيح مسلم"، ثم قال: وعلى تقدير ثبوت كون الضب ممسوخًا، فذلك لا يقتضي تحريم أكله؛ لأن كونه آدميًّا قد زال حكمه، ولم يبق له أثر أصلًا، وإنما كره - صلى الله عليه وسلم - الأكل منه لِمَا وقع عليه من سخط الله، كما كره الشرب من مياه ثمود. انتهى.
قال الحافظ: ومسألة جواز أكل الآدميّ إذا مُسخ حيوانًا مأكولًا لم أرها في كتب فقهائنا - يعني: الشافعيّة -. انتهى (١).
٣ - (ومنها): أن فيه الإعلامَ بما شَكّ فيه؛ لإيضاح حكمه.
٤ - (ومنها): أن مطلق النّفْرَة عن الشيء، وعدم استطابته لا يستلزم التحريم.
٥ - (ومنها): أن المنقول عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يعيب الطعام إنما هو فيما