للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فإن كل جرح، أو دم يفوح مسكًا يوم القيامة"، ولم يصلِّ عليهم. انتهى.

وقال في "الاستذكار": وفي هذا الحديث دليل على أن الشهيد يبعث على حاله التي قُبض عليها وهيئته، بدليل هذا الحديث، ومثله حديث ابن عباس في المُحْرِم الذي وَقَصَتْه ناقته، فقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تخمّروا وجهه، ولا رأسه، ولا تقرّبوه طِيبًا، فإنه يُبعث يوم القيامة يلبي"، وقد زعم بعض أهل العلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يبعث الميت في ثيابه التي قُبض فيها أي: يعاد خَلَق ثيابه له كما يعاد خَلْقُه، وقال غيره: إنما ذلك قول خرج على المجاز، فكنى بالثياب عن الأعمال، كما يقال: طاهر الثوب، ونَقِيّ الجيب.

قال أبو عمر: وحَمْلُ هذا الحديث على المجاز مرويّ من حديث ابن عباس، وغيره، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يُحشر الناس عُراةً، غُرْلًا، وأول من يكسى إبراهيم"، فعلى هذا يَحْتَمِل أن يُبعث على ما مات عليه من كفر، وإيمان، وشكّ، وإخلاص، ونحو ذلك.

والحقيقة في كلّ ما يَحتملها اللفظ من الكتاب والسُّنَّة أَوْلى من المجاز؛ لأن الذي يُعيده خَلْقًا سَوِيًّا يعيد ثيابه - إن شاء.

وإن كان قد رُوي بالوجه الآخر خبر، ذكره أبو داود في "باب من يغزو ويلتمس الدنيا" بإسناده عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد، والغزو، فقال: "يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت صابرًا محتسبًا، بعثك الله صابرًا محتسبًا، وإن قاتلت مرائيًا مكاثرًا بعثك الله مرائيًا مكاثرًا، يا عبد الله بن عمرو على أي حال قاتلت، أو قُتلت بعثك الله على تلك الحال". انتهى (١).

وقوله: (وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ) زاد في بعض: النسخ: "دمًا"، و"الجُرح" بضمّ الجيم: اسم كالجراحة بكسرها، والمصدر: الْجَرْح بالفتح، و"يَثْعُبُ" - بفتح الياء، والعين، وإسكان المثلثة بينهما - ومعناه: يجري متفجّرًا؛ أي: كثيرًا، وهو بمعنى الرواية الأخرى: "يتفجر دمًا" (٢).

وإسناد الثعب إلى الجرح مع أن الذي يثعُب على الحقيقة إنما هو دمه؛


(١) "الاستذكار" ٥/ ٩٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٢٢.