للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لإفادة المبالغة على حدّ قوله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: ٩٢]، فإن الذي يفيض هو الدمع، لا العين، لكن جُعلت العين تَفِيض مبالغةً.

وقال التوربشتيّ: قوله: "يثعُب دمًا"، يقال: ثعبت الماءَ: فجّرته، فانثعب، وإضافة الفعل إلى الجرح؛ لأنه السبب في فجر الدم، و"دمًا" يكون مفعولًا، ولو أراد به التمييز لكان من حقّه أن يقول: ينثعب دمًا، أو يُثعَب، على بناء المجهول، قال: ولم أجده روايةً.

قال الطيبيّ: مجيؤه متعدّيًا نُقل عن الجوهريّ، وظاهر كلام صاحب "النهاية" أنه لازم، حيث فسّره بقوله: "يجري"، ولأنه جاء في حديث آخر: "وجرحه يشخب دمًا"، والشخب: السيلان، فحينئذ يكون من قوله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: ٩٢]، فإن الظاهر أن يقال: إن الدمع تفيض من العين، فجعل العين فائضةً مبالغةً، كذلك الدم هو السائل من الجرح لا الجرح. انتهى (١).

وقوله: (اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ) قال ابن عبد البرّ - رحمه الله -: هذا من أحسن حديث في فضل الغزو في سبيل الله، والحضّ على الثبوت عند لقاء العدوّ. انتهى (٢).

وقال الزرقانيّ - رحمه الله -: قوله: "اللون لون الدم، والريح ريح المسك"؛ أي: كريحه؛ إذ ليس هو مسكًا حقيقةً، بخلاف لون الدم، فلا تقدير فيه؛ لأنه دم حقيقةً، فليس له من أحكام الدماء وصفاتها إلا اللون فقط.

قال العلماء: الحكمة في بعثه كذلك؛ ليكون معه شاهد فضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى، وعلى من ظَلَمه، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يُستشهَد، أو تبرأ جراحته.

قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن المراد: ما مات صاحبه به قبل اندماله، لا ما اندمل في الدنيا، فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول، ولا ينفي ذلك أن له فضلًا في الجملة، لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا من


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٣٣.
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٩/ ١٣.