للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ظاهر في أنه تحرم الطاعة في المعصية المأمور بها، وأن المطيع فيها يستحقّ العقاب.

٧ - (ومنها): ما قاله أيضًا: قوله: "وقال للآخرين قولًا حسنًا" يدلّ على مدح المصيب في المجتهدات، كما أنّ القول الأول يدلّ على ذمِّ المقصّر المخطئ وتعصيته، مع أنه ما كان تقدّم لهم في مثل تلك النازلة نصٌّ، لكنهم قصّروا حيث لَمْ ينظروا في قواعد الشريعة الكلية، ومقاصدها المعلومة الجليّة. انتهى (١).

٨ - (ومنها): أَنَّ الْأَمْر الْمُطْلَق لَا يَعُمّ الْأَحْوَال؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوا الْأَمِير، فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى عُمُوم الْأَحْوَال، حَتَّى فِي حَال الْغَضَب، وَفِي حَال الْأَمْر بِالْمَعْصِيَة، فَبَيَّنَ لَهُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّ الْأَمْر بِطَاعَتِه، مَقْصُور عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي غَيْر مَعْصِيَة (٢).

٩ - (ومنها): أنه اسْتَنْبَطَ مِنْ هذا الحديث الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة، أَنَّ الْجَمْع مِنْ هَذِهِ الْأَمَة، لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى خَطَأ؛ لِانْقِسَامِ السَّرِيَّة قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ دُخُول النَّار، فَظَنَّهُ طَاعَة، وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ حَقِيقَة الْأَمْر، وَأَنَّهُ مَقْصُور عَلَى مَا لَيْسَ بمَعْصِيَةٍ، فَكَانَ اخْتِلَافهمْ سَبَبًا لِرَحْمَةِ الْجَمِيع، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ صَادِق النِّيَّة، لَا يَقَع إِلَّا فِي خَيْر، وَلَوْ قَصَدَ الشَّرّ، فَإِنَّ الله يَصْرِفهُ عَنْهُ، وَلهَذَا قَالَ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة: مَنْ صَدَقَ مَعَ الله، وَقَاهُ اللهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى الله، كَفَاهُ اللهُ (٣)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): قال أبو العبّاس القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث يرُدّ حكايةً، حُكيت عن بعض مشايخ الصوفيّة، وذلك أن مريدًا له قال له يومًا: قد حَمِي التنّور، فما أصنع؟ فتغافل عنه، فأعاد عليه القول، فقال له: ادخل فيه، فدخل المريد في التنّور، ثم إن الشيخ تذكّر، فقال: الحقوه، كان قد عَقَد على نفسه أن لا يُخالفني، فَلَحِقُوه، فوجدوه في التنّور لَمْ تضرّه النار. وهذه الحكاية


(١) "المفهم" ٤/ ٤٠.
(٢) "الفتح" ٩/ ٤٧٦، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٤٠).
(٣) راجع: "بهجة النفوس" ٤/ ٧٢ - ٧٣.