للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٢ - (ومنها): عدم جواز طاعة أحد فيما يُخالف شرع الله تعالى؛ إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.

٣ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "على المرء المسلم السَّمع والطاعة" ظاهرٌ في وجوب السمع والطّاعة للأئمة، والأمراء، والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لَمْ يأمر بمعصية، فإن أَمَر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا وَجَبَ خَلْعُه على المسلمين كلهم، وكذلك لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين؛ كإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومَنَع من ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر، والزنا، ولم يمنع منهما، لا يختلف في وجوب خَلْعِه، فأمَّا لو ابتدع بدعة، ودعا النَّاس إليها؛ فالجمهور على أنَّه يُخْلَع.

وذهب البصريون إلى أنه لا يُخْلَع، تمسُّكًا بظاهر قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إلَّا أن تروا كفرًا بَوَاحًا عندكم من الله فيه برهان"، وهذا يدلُّ على استدامة ولاية المتأوّل، وإن كان مبتدعًا، فأمَّا لو أمر بمعصية مثل أخْذ مال بغير حقّ، أو قَتْل، أو ضَرْب بغير حقّ، فلا يطاع في ذلك، ولا ينقذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور، وأخْذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما، ولا ماله بأَولى من دم الآخر، ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعًا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما، لا للآمر، ولا للمأمور؛ لقوله: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، كما ذكره الطبريّ، ولقوله هنا: "فإن أمر بمعصية فلا سمع، ولا طاعة"، فأمَّا قوله في حديث حذيفة: "سمع، وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك"، فهذا أمْر للمفعول به ذلك للاستسلام، والانقياد، وترك الخروج عليه؛ مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك.

ويَحْتَمِل أن يكون ذلك خطابًا لمن يُفعل به ذلك بتأويل، يسوّغ للأمير بوجهٍ يَظهر له، ولا يظهر ذلك للمفعول به، وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث، ويصحّ الجمع. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٤/ ٣٨ - ٣٩.