للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بالإسلام، وأن الإسلام يَهْدِم ما كان قبله. انتهى (١).

ويَحْتَمِل أن يكون المعنى: فبشّره؛ أي: أفرحه بذكر حسن إسلامه للصحابة، ففي رواية ابن خزيمة المتقدّمة: "فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد حسُن إسلام أخيكم"، يعني: أنه لما سمع ذلك استبشر.

وقوله: "فبشّره" يحتمل أن يكون بتخفيف الشين المعجمة، ثلاثيًّا، وأن يكون بتشديدها مضعّفًا، قال الجوهريّ: بَشَرْتُ الرجلَ أَبْشُرُه، بالضم بَشْرًا، وبُشُورًا، من البُشْرَى، وكذلك الإِبشارُ، والتَّبْشِيرُ، ثلاثُ لغات، والاسم: الْبِشارَةُ، والبُشارَةُ بالكسر، والضم، يقال: بَشَرْتُه بمولود، فَأَبْشَرَ إِبْشارًا؛ أي: سُرَّ، وتقول: أَبْشِرْ بخير، بقطع الأَلف، وبَشِرْتُ بكذا، بالكسر، أَبْشَرُ؛ أي: اسْتَبْشَرْتُ به، وبَشَرني فلان بوجه حسن؛ أي: لقيني، وهو حسن البِشْر، بالكسر؛ أي: طَلْقُ الوجه. انتهى باختصار (٢).

(وَأَمَرَهُ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ يَعْتَمِرَ)؛ أي: يُكمّل عمل عمرته التي أنشأها قبل إسلامه، وفيه دليل على أنَّ من نوى قربة قبل إسلامه، فاسلم ينبغي له أن يفعلها بعده، وهذا نظير ما أمر به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يعتكف في المسجد الحرام من أجل نذر نَذَره في الجاهليّة، فاعتكف، متّفقٌ عليه.

هذا هو الذي دلّ عليه ظاهر السياق، وأما ما قاله بعض الشرّاح (٣) من أن المعنى: أمَره أن يُحرم إحرامًا جديدًا؛ لأنَّ الأولى لا تصحّ؛ لوقوعها في حال الشرك، فمما لا يخفى بُعده، والتعليل الذي علّل به يردّه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أسلمتَ على ما سلف لك من خير"، فإن الراجح أن مَن عَمِل خيرًا في كفره، ثم أسلم، وحسُن إسلامه، قَبِل الله - عَزَّ وَجَلَّ - منه ما عمله من الخير في الكفر بسبب إسلامه، فتفطّن، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أما أمْره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بالعمرة فاستحباب؛ لأنَّ العمرة مستحبة في كلّ وقت، لا سيما من هذا الشريف المطاع إذا أسلم، وجاء


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٨٩.
(٢) "لسان العرب" ٤/ ٥٩.
(٣) ومنهم القرطبيّ في "المفهم"، وكذا قال بعض من عاصرناه في شرحه لهذا الكتاب.