للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فألحقوه بأخف الحدود، وهذا قول طائفة من علمائنا، وَيرِدُ عليهم قول عليّ: جَلَد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وكذا وقوع الأربعين في عهد أبي بكر، وفي خلافة عمر أوّلًا أيضًا، ثم في خلافة عثمان، فلولا أنه حدّ لاختلف التقدير، ويؤيده قيام الإجماع على أن في الخمر الحدّ، وإن وقع الاختلاف في الأربعين والثمانين، قال: والجواب أن النقل عن الصحابة اختَلَف في التحديد والتقدير، ولا بدّ من الجمع بين مختلِف أقوالهم، وطريقه أنهم فَهِمُوا أن الذي وقع في زمنه - صلى الله عليه وسلم - كان أدبًا من أصل ما شاهدوه من اختلاف الحال، فلما كَثُر الإقدام على الشرب ألحقوه بأخف الحدود المذكورة في القرآن، وقَوَّى ذلك عندهم وجود الافتراء من السُّكر، فاثبتوها حدًّا، ولهذا أَطلق عليّ أن عمر جلد ثمانين، وهي سُنَّة، ثم ظهر لعليّ أن الاقتصار على الأربعين أَولى؛ مخافة أن يموت، فتجب فيه الدية، ومراده بذلك الثمانون، وبهذا يُجمع بين قوله: "لم يَسُنَّه"، وبين تصريحه بأنه - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين. قال: وغاية هذا البحث أن الضرب في الخمر تعزير، يمنع من الزيادة على غايته، وهي مختلَف فيها، قال: وحاصل ما وقع من استنباط الصحابة أنهم أقاموا السُّكر مقام القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطوه حكمه، وهو من أقوى حجج القائلين بالقياس، فقد اشتهرت هذه القصة، ولم ينكرها في ذلك الزمان منكِر، قال: وقد اعترض بعض أهل النظر بأنه إن ساغ إلحاق حدّ السُّكر بحدّ القذف، فليُحْكَم له بحُكم الزنا والقتل؛ لأنهما مظنته، وليقتصروا في الثمانين على من سَكِر لا على من اقتصر على الشرب، ولم يَسْكَر. قال: وجوابه أن المظنة موجودة غالبًا في القذف، نادرة في الزنا والقتل، والوجود يُحقق ذلك، وإنما أقاموا الحدّ على الشارب، وإن لم يَسْكَر مبالغةً في الردع؛ لأن القليل يدعو إلى الكثير، والكثير يُسكر غالبًا، وهو المظنة، ويؤيده أنهم اتفقوا على إقامة الحدّ في الزنا بمجرد الإيلاج، وإن لم يتلذذ، ولا أنزل، ولا أكمل.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حقّقه القرطبيّ رحمه الله قد تقدّم أنه ما رجّحته، وهو حقيق بذلك؛ فتأمله بإمعان، والله تعالى أعلم.

قال الحافظ رحمه الله: والذي تحصّل لنا من الآراء في حدّ الخمر ستة أقوال: