للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التعزير (١)، وقد تمسّك بذلك من قال بجواز القياس في الحدود، وادَّعَى إجماع الصحابة، وهي دعوى ضعيفة؛ لقيام الاحتمال.

وقد شَنَّع ابن حزم على الحنفية في قولهم: إن القياس لا يدخل في الحدود والكفارات، مع جزم الطحاويّ ومن وافقه منهم بأن حدّ الخمر وقع بالقياس على حدّ القذف، وبه تمسّك من قال بالجواز من المالكية، والشافعية.

واحتَجّ من منع ذلك بأن الحدود والكفارات شُرعت بحسب المصالح، وقد تشترك أشياء مختلفة، وتختلف أشياء متساوية، فلا سبيل إلى عِلْم ذلك إلا بالنص.

وأجابوا عما وقع في زمن عمر بأنه لا يلزم من كونه جَلَد قَدْر حدّ القذف أن يكون جعل الجميع حدًّا، بل الذي فعلوه محمول على أنهم لم يبلغهم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حدَّ فيه أربعين؛ إذ لو بلغهم لَمَا جاوزوه، كما لم يجاوزوا غيره من الحدود المنصوصة، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يُستنبَطَ من النص معنى يعود عليه بالإبطال، فرَجَح أن الزيادة كانت تعزيرًا. ويؤيده ما أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" بسند صحيح، عن أبي رافع: "عن عمر أنه أُتي بشارب، فقال لمطيع بن الأسود: إذا أصبحت غدًا فاضربه، فجاء عمر، فوجده يضربه ضربًا شديدًا، فقال: كم ضربته؟ قال: ستين، قال: اقتَصَّ عنه بعشرين"، قال أبو عبيد: يعني اجعل شدّة ضربك له قِصاصًا بالعشرين التي بقيت من الثمانين. قال أبو عبيد: فيؤخذ من هذا الحديث أن ضرب الشارب لا يكون شديدًا، وأن لا يُضْرَب في حال السُّكر؛ لقوله: إذا أصبحت فاضربه.

قال البيهقيّ: ويؤخذ منه أن الزيادة على الأربعين ليست بحدّ؛ إذ لو كانت حدًّا لَمَا جاز النقص منه بشدة الضرب؛ إذ لا قائل به.

وقال صاحب "المفهم" ما ملخصه - بعد أن ساق الأحاديث الماضية -: هذا كله يدلّ على أن الذي وقع في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان أدبًا وتعزيرًا، ولذلك قال عليّ - رضي الله عنه -: فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه، فلذلك ساغ للصحابة الاجتهاد فيه،


(١) يعني به: الحديث الآتي في الباب التالي عن أبي بردة بن نيار - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يُجلَد أحدٌ فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله".