تحرَّى ما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَب السكران، فصيّره حدًّا، واستمرّ عليه، وكذا استمرّ مَنْ بعده، وإن اختلفوا في العدد.
وجَمَع القرطبيّ بين الأخبار بأنه لم يكن أوّلًا في شُرب الخمر حدّ، وعلى ذلك يُحْمَل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس، ثم شُرع فيه التعزير، على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها، ثم شُرع الحدّ، ولم يطّلع أكثرهم على تعيينه صريحًا مع اعتقادهم أن فيه الحدّ المعيَّن، ومِن ثَمّ توخى أبو بكر ما فُعل بحضرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فاستَقَرّ عليه الأمر، ثم رأى عمر، ومن وافقه الزيادة على الأربعين، إما حدًّا بطريق الاستنباط، وإما تعزيرًا.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا المسلك الذي سلكه القرطبيّ رحمه الله في الجمع مسلك واضح، فتأمله بإمعان، والله تعالى أعلم.
واحتَجّ من قال: إن حده ثمانون بالإجماع في عهد عمر، حيث وافقه على ذلك كبار الصحابة.
وتُعُقّب بأن عليًّا أشار على عمر بذلك، ثم رجع عليّ عن ذلك، واقتصر على الأربعين؛ لأنها القَدْر الذي اتفقوا عليه في زمن أبي بكر، مستندِين إلى تقدير ما فُعِل بحضرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأما الذي أشار به فقد تبيَّن من سياق قصته أنه أشار بذلك رَدْعًا للذين انهمكوا؛ لأن في بعض طرق القصة كما تقدم أنهم احتقروا العقوبة، وبهذا تمسّك الشافعية، فقالوا: أقل ما في حدّ الخمر أربعون، وتجوز الزيادة فيه إلى الثمانين، على سبيل التعزير، ولا يُجاوز الثمانين، واستندوا إلى أن التعزير إلى رأي الإمام، فرأى عمر فعله بموافقة عليّ، ثم رجع عليّ، ووقف عند ما فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، ووافقه عثمان على ذلك، وأما قول عليّ:"وكلٌّ سُنَّةٌ"، فمعناه: أن الاقتصار على الأربعين سُنَّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فصار إليه أبو بكر، والوصول إلى الثمانين سُنَّةُ عمر؛ ردعًا للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى، ووافقه من ذُكِر في زمانه للمعنى الذي تقدّم. وسَوَّغ لهم ذلك، إما اعتقادهم جواز القياس في الحدود، على رأي من يجعل الجميع حدًّا، وإما أنهم جعلوا الزيادة تعزيرًا؛ بناءً على جواز أن يُبْلَغ بالتعزير قَدْر الحدّ، ولعلهم لم يبلغهم الخبر الآتي في باب