ألفاظ النَّقَلَة عن قتادة، وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض، فحديث أنس سالم من ذلك.
واستُدِلّ بصنيع عمر في جلد شارب الخمر ثمانين على أن حد الخمر ثمانون، وهو قول الأئمة الثلاثة، وأحد القولين للشافعيّ، واختاره ابن المنذر، والقول الآخر للشافعيّ، وهو الصحيح أنه أربعون، وجاء عن أحمد كالمذهبين.
قال القاضي عياض: أجمعوا على وجوب الحدّ في الخمر، واختلفوا في تقديره، فذهب الجمهور إلى الثمانين، وقال الشافعيّ في المشهور عنه، وأحمد في رواية، وأبو ثور، وداود: أربعين.
قال الحافظ: وتبعه على نقل الإجماع ابن دقيق العيد، والنوويّ، ومَنْ تَبِعهما، وتُعُقّب بأن الطبريّ وابن المنذر، وغيرهما حَكَوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حدّ فيها، وإنما فيها التعزير، واستدلوا بأحاديث الباب، فإنها ساكتة عن تعيين عدد الضرب، وأصرحها حديث أنس، ولم يجزم فيه بالأربعين في أرجح الطرق عنه.
وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريجِ ومعمر: سئل ابن شهاب: كم جَلَد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر؟ فقال: لم يكن فرَض فيها حدًّا، كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم، حتى يقول لهم: ارفعوا.
وورد أنه لم يضربه أصلًا، وذلك فيما أخرجه أبو داود، والنسائيّ بسند قويّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يوقّت في الخمر حدًّا، قال ابن عباس: وشَرِب رجل، فسَكِر، فانطُلِق به إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما حاذى دار العباس انفلَتَ، فدخل على العباس، فالتزمه، فذكِر ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فضَحِك، ولم يأمر فيه بشيء.
وأخرج الطبريّ من وجه آخر عن ابن عباس:"ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر إلا أخيرًا، ولقد غزا تبوك، فغَشِي حجرته من الليل سكران، فقال: ليقم إليه رجل، فيأخذ بيده حتى يردّه إلى رحله".
والجواب أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحدّ؛ لأن أبا بكر