قال القرطبيّ: والصحيح الأول، إن شاء الله؛ لأنه لو لم يُشتَرط الاتصال لَمَا انعقد يمين، ولا تُصُوّر عليها ندم، ولا حِنْث، ولا احتيج للكفّارة فيها، وكلّ ذلك حاصل بالاتّفاق، فاشتراط الاتصال صحيح.
وقد احتجّ من قال بفصل الاستثناء بقصّة سليمان عليه السلام المذكور في الباب، فإن سليمان عليه السلام لَمّا حلف، قال له صاحبه: قل: إن شاء الله، ووجه الاستدلال به أنه إنما عرض عليه الاستثناء بعد فراغه من اليمين، فلو قالها بعد فراغ قول صاحبه لكان قولها غير متّصل باليمين، ومع ذلك فلو قالها لكانت تنفع، ولم يَحنَث، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو قال: إن شاء الله لم يحنث".
وأجاب المشترطون للاتّصال بمنع أنه قاله بعد فراغه من اليمين، بل لعلّه قال ذلك في أضعاف يمينه؛ لأن يمينه كثرت كلماتها، فطالت، وليس ذلك الاحتمال بأولى من هذا، فلا حجة فيه، لا له، ولا عليه.
قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت بما أسلفته لك من تعقّب كلام القرطبيّ هذا، فلا تغفل، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال: واحتجّوا أيضًا بما رواه أبو داود عن عكرمة مولى ابن عبّاس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"والله لأغزونّ قريشًا، والله لأغزونّ قريشًا، والله لأغزونّ قريشًا"، ثم قال:"إن شاء الله"، وفي رواية: ثم سكت، ثم قال:"إن شاء الله".
قال أبو داود: زاد الوليد بن مسلم، عن شريك:"ثم لم يغزهم".
لكن الحديث مرسل، وقد أُسند من حديث عبد الواحد بن صفوان، وليس حديثه بشيء، على ما قاله أهل الحديث، والمرسل هو الصحيح.
قال القرطبيّ: وهذا الحديث حجة ظاهرةٌ على جواز الفصل بالسكوت اليسير، وأن ذلك القدر ليس بقاطع؛ لأن الحال شاهدة على الاتصال، لكن عند من يقبل المرسل، ويحتمل أن يكون ذلك السكوت عن غلبة نَفَسٍ خارجٍ، أو أمر طارئ، وفيه بُعْدٌ.