للتمسّك به، فإنه يدلّ على أن الملك ذكّر سليمان عليه السلام، بعد سماعه كلامه، وتأكّده من عدم استثنائه، فاحتمال أنه ذكّره في أثناء كلامه بعيدٌ جدًّا؛ لأنه لا يَدْري هل يستثني بعد كلامه، أم لا؟، فلما تحقّق لديه أنه ما استثنى مع حاجته إلى الاستثناء ذكّره.
والحاصل أن الاحتمال الذي ذكره القرطبيّ بعيدٌ، فلا يسقط الاستدلال المذكور، فتأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاستثناء في اليمين: قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: في هذا الحديث دليل على أن اليمين إذا قُرن بها "إن شاء الله" لفظًا منويًّا، لم يلزم الوفاء بها، ولا يقع الحنث فيها، ولا خلاف في ذلك، واختلفوا فيما إذا وقع الاستثناء منفصلًا عن اليمين، فالجمهور على أنه لا ينفع الاستثناء حتى يكون متّصلا به، منويًّا معه، أو مع آخر حرف من حروفه، وإليه ذهب مالكٌ، والشافعيّ، والأوزاعيّ، والجمهور، وقد اتّفق مالكٌ، والشافعيّ على أن السُّعال، والعطاس، وما أشبه ذلك لا يكون قاطعًا إذا كان ناويًا له، وقال بعض المالكيّة: لا ينفع الاستثناء إلا أن ينويه قبل نطقه بجميع حروف اليمين، وعند هؤلاء أن السكوت المختار الذي يقطع به كلامه، أو يأخذ في غيره لا ينفع معه الاستثناء.
وكان الحسن، وطاوس، وجماعة من التابعين يرون للحالف الاستثناء ما لم يقم من مجلسه. وقال قتادة: ما لم يقم، أو يتكلّم. وعن عطاء: قدر حَلْبة ناقة. وعن سعيد بن جُبير: بعد أربعة أشهر. وروي عن ابن عبّاس: بعد سنة. وقد أُنكرت هذه الرواية عنه، وضُعّفت، وتأوّلها بعضهم بأن له أن يستثني امتثالًا لأمر الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الآية [الكهف: ٢٣ - ٢٤] لا لحلّ اليمين.
وإلى هذه الاختلافات أشار السيوطي رحمه الله في "الكوكب الساطع" في "مبحث التخصيص"، حيث قال: