للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقةٍ أعلمَهُ الله تعالى بها، وهو نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها"، فلا معارضة بين هذا، وبين حديث النهي عن "لو"، وقد قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: ١٥٤]، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]، وكذلك ما جاء من "لولا"، كقوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ} [الأنفال: ٦٨]، {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا} [الزخرف: ٣٣]، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤]؛ لأن الله تعالى مخبر في كل ذلك عما مضى، أو يأتي عن علم خبرًا قطعيًّا، وكل ما يكون من "لو"، و"لولا" مما يخبر به الإنسان عن علة امتناعه من فعله، مما يكون فعله في قدرته، فلا كراهة فيه؛ لأنه إخبار حقيقة عن امتناع شيء؛ لسبب شيء، وحصول شيء؛ لامتناع شيء.

وتأتي "لو" غالبًا لبيان السبب الموجب، أو النافي، فلا كراهة في كل ما كان من هذا، إلا أن يكون كاذبًا في ذلك، كقول المنافقين: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: ١٦٧]، والله أعلم. انتهى (١).

١٤ - (ومنها): جواز استعمال الكناية في اللفظ الذي يُستقبح ذكره؛ لقوله عليه السلام: "لأطوفنّ"، بدل قوله: لأُجامعنّ (٢).

١٥ - (ومنها): أنه استَدَلّ بهذا الحديث من قال: إن الاستثناء إذا عَقَبَ اليمينَ، ولو تخلّل بينهما شيء يسير لا يضرّ، فإن الحديث دلّ على أن سليمان عليه السلام لو قال: إن شاء الله عقب قول صاحبه له: قل: إن شاء الله لأفاد، مع التخلّل بين كلاميه بمقدار قول الصاحب.

وأجاب القرطبيّ باحتمال أن يكون الملَك قال ذلك في أثناء كلام سليمان عليه السلام، قال الحافظ: وهو احتمال ممكن يسقط به الاستدلال المذكور. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما دلّ عليه ظاهر الحديث كافٍ


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٢١ - ١٢٣.
(٢) "الفتح" ٨/ ٤١ رقم (٣٤٢٣).
(٣) "الفتح" ٨/ ٤٠ رقم (٣٤٢٣).