للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد يقال: إن الثاني أقوى؛ لأن التأسيس أولى من التأكيد، وقيل: معنى "تحللتها": خرجت من حُرمتها إلى ما يَحِلّ منها، وذلك يكون بالكفّارة، وقد يكون بالاستثناء بشرطه السابق، لكن لا يتجه في هذه القصّة، إلا إن كان وقع منه استثناء لم يشعروا به، كأن يكون قال: إن شاء الله مثلًا، أو قال: والله لا أحملكم إلا إن حصل شيء، ولذلك قال: "وما عندي ما أحملكم" (١).

(فَانْطَلِقُوا)؛ أي: اذهبوا إلى رحالكم (فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللهُ عز وجل") قال العلماء: المراد بذلك إزالة المنة عنهم، وإضافة النعمة لمالكها الأصليّ، ولم يُرِد أنه لا صُنْعَ له أصلًا في حملهم؛ لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد ذلك: "لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفّرت عن يميني".

وقال المازريّ: معنى قوله: "إن الله حملكم": إن الله أعطاني ما حملتكم عليه، ولولا ذلك لم يكن عندي ما حملتكم عليه، وقيل: يَحْتَمِل أنه كان نسي يمينه، والناسي لا يضاف إليه الفعل، ويرُدّه التصريح في هذه الرواية بقوله: "والله ما نسيتها وقيل: المراد بالنفي عنه، والإثبات لله الإشارة إلى ما تفضل الله به من الغنيمة المذكورة؛ لأنها لم تكن بتسبب من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا كان متطلِّعًا إليها، ولا منتظرًا لها، فكأن المعنى: ما أنا حملتكم؛ لعدم ذلك أوّلًا، ولكن الله حملكم بما ساقه إلينا من هذه الغنيمة، ذكره في "الفتح" (٢).

[تنبيه]: وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز دخول المرء على صديقه في حال أكله، واستدناء صاحب الطعام الداخل، وعرضه الطعام عليه، ولو كان قليلًا؛ لأن اجتماع الجماعة على الطعام سبب للبركة فيه؛ وفيه جواز أكل الدجاج إنسيةً، ووحشيةً، وهو بالاتفاق، إلا عن بعض المتعمقين على سبيل الورع، إلا أن بعضهم استثنى الجلَّالة، وهي ما تأكل الأقذار، وظاهر صنيع أبي موسى -رضي الله عنه- أنه لم يبال بذلك.

والجلَّالة: عبارة عن الدابة التي تأكل الْجِلَّة - بكسر الجيم، وتشديد اللام


(١) "الفتح" ١٥/ ٤١٠ - ٤١١ رقم (٦٧٢١).
(٢) "الفتح" ١٥/ ٤١١، كتاب "الأيمان والنذور" رقم (٦٧٢١ و ٦٧٢٢).