على النظر والبحث، وألّا يرجع إلى السؤال مع التمكّن من البحث والاستدلال؛ ليحصل على رتبة الاجتهاد، ولينال أجر من طلب، فأصاب الحكم، ووافق المراد.
وروى ابن جرير عن أبي إسحاق الشَّيباني، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن المسيِّب؛ أن عمر سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف يُوَرّث الكلالة؟ قال: فأنزل الله {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}[النساء: ١٧٦]، قال: فكأن عمر لم يفهم، فقال لحفصة: إذا رأيتِ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طيب نَفْس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال:"أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها"، قال: وكان عمر يقول: ما أراني أعلمها، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال (١).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ ما حاصله: مقتضى الآية الأولى أن كلَّ واحد من الأخوين له السدس، سواء كان أحدهما ذكرًا أو أُنثى، فإن كانوا أكثر اشتركوا في الثلث، ومقتضى الآية الثانية أن للأخت النصف، وللاثنين الثلثين، ولم يُبيَّن في واحدة من الآيتين الإخوة، هل هي لأمّ، أو لأب، أو لهما؟ ثم إذا تنزّلنا على أن الإخوة في الأولى للأم، وفي الثانية للأب، أو أشقّاءُ، فهل ذلك فرضهم إذا انفردوا؟ أو يكون ذلك فرضهم، وإن كان معهم بعض الورثة؟ كلُّ ذلك أمورٌ مطلوبة، والوصول إلى تحقيق تلك المطالب عَسِيرٌ، فلَمّا استُشكِلَتْ على عمر -رضي الله عنه- هذه الوجوه تشوّف إلى معرفتها بطريق يُزيح له الإشكال، فألَحّ على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالسؤال عن ذلك، حتى ضرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على صدره، وأغلظ عليه في ذلك؛ رَدْعًا له عن الإلحاح؛ إذ كان قد نُهي عن كثرة السؤال، وتنبيهًا له على الاكتفاء بالبحث عمّا في الكتاب من ذلك، وعلى أن الكتاب يُبيِّنُ بعضه بعضًا.
وقال الخطّابيّ رحمهُ اللهُ: يُشبه أن يكون لم يُفْتِهِ، وَوَكَل الأمر إلى بيان الآية؛