وبمذهب معاوية -رضي الله عنه- هذا يقول ابن القيّم رحمه الله، فإنه يقول: إن المصوغ من الذهب والفضّة سلعة غير ربويّة، فيجوز بيعه بالتبر متفاضلًا ونسيئةً؛ لأن عمل الصياغة قد أخرجه من الأثمان، وأدخله في السلع المستعملة، ولهذا لم تجب عليه الزكاة عنده، وعند الشافعيّ، والجمهور على أن المصوغ، والتبر، والمسكوك سواء في حرمة التفاضل والنسيئة؛ لأن أحاديث التحريم عامّة لكل ذهب، وعمل الصياغة لا يخرجه عن كونه ذهبًا، ولذا أنكر أمثال أبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، ثم مثل عمر بن الخطاب على معاوية -رضي الله عنهم- في هذا حتى كتب فيه عمر إلى معاوية، ونهاه عن مثل هذا البيع.
وأجاب ابن القيم عن قصّة عبادة -رضي الله عنه- بأن إنكاره على معاوية لم يكن بسبب أن بيع الآنية كان يستلزم الربا، وإنما كان من أجل أن استعمال آنية الفضة حرام، فبيعه لا يجوز من أجل حرمة استعمالها، لا بجنسه، ولا بغيره، ولا بالمساواة، ولا بالتفاضل.
عبارة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه "إعلام الموقعين"(٢/ ١٥٩): وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة، كالعرايا، فإن ما حُرِّم سدًّا للذريعة أخفّ مما حُرِّم تحريم المقاصد، وعلى هذا فالمصوغ، والحلية إن كانت صياغته محرَّمة، كالآنية حَرُم بيعه بجنسه، وغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوبة -رضي الله عنهما-، فانه يتضمن مقابلة الصياغة المحرَّمة بالأثمان، وهذا لا يجوز، كآلات الملاهي. انتهى.
وتعقّبه بعضهم بأن تأويله هذا غير سائغ بالنظر إلى حديث الباب، فإن عبادة -رضي الله عنه- لم يحتجّ على معاوية بحرمة استعمال الآنية، وإنما استدلّ بحديث حرمة الربا، فلولا أنه كان يقول بحرمة التفاضل والنسيئة في المصوغ؛ لَمَا ذكر هذا الحديث في هذا السياق، بل ذكر حديث تحريم استعمال الآنية من الفضة، وكذلك أبو الدرداء -رضي الله عنه- احتجّ على معاوية بحديث وجوب التماثل في الربويّات، ولم يذكر مسألة استعمال الإناء، ثم إن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كتب إلى معاوية "أن لا يبيع مثل ذلك إلا مثلًا بمثل"، كما ورد في حديث "الموطّإ"، مما يدل صريحًا على أن الحرمة عند هؤلاء الصحابة كانت من