معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا، فقال أبو الدرداء: مَن يَعذِرني من معاوية؛ أنا أخبره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قَدِمَ أبو الدرداء على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك، إلا مثلًا بمثل، وزنا بوزن".
قال ابن عبد البرّ رحمه الله: كان معاوية -رضي الله عنه- يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدينار المضروب، والدرهم المضروب، لا في التبر من الذهب والفضة بالمضروب، ولا في المصوغ بالمضروب، وقيل: إن ذلك إنما كان منه في المصوغ خاصّة، والله أعلم، حتى وقع له مع عبادة ما ذُكر في هذا الباب، وقد سأل عن ذلك أبا سعيد بعد حين، فأخبره عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بتحريم التفاضل في الفضة بالفضة، والذهب بالذهب تبرهما وعينهما، وتبر كل واحد منهما بعينه، وإنما كان سؤاله أبا سعيد استثباتًا؛ لأنه كان يعتقد أن النهي إنما ورد في العين، ولم يكن -والله أعلم- عَلِمَ بالنهي حتى أعلمه غيره، وخفاءُ مثل هذا على مثله غير مُنكر؛ لأنه من علم الخاصّة، وذلك موجود لغير واحد من الصحابة -رضي الله عنهم-.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون مذهبه كان كمذهب ابن عباس -رضي الله عنهم-، فقد كان ابن عباس، وهو بحر في العلم لا يرى بالدرهم بالدرهمين يدًا بيد بأسًا حتى صرفه عن ذلك أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، فلا ينكر أن يخفى على معاوية ما خفي على ابن عباس -رضي الله عنهم-.
وقد روينا عن معاوية -رضي الله عنه- أنه كان يذهب إلى أن الربا في المضروب دون غيره، وهو شيء لا وجه له عند أحد من أهل العلم، وإذا كان ابن عباس وعمر قبله، وأبو بكر قبلهما يخفى عليهم ما يوجد عند غيرهم، ممن هو دونهم، فمعاوية أحرى أن يوجد عليه مثل ذلك مع أبي الدرداء -رضي الله عنهما-. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله باختصار (١).