للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحَادِيثَ قَدْ كنَّا نَشْهَدُهُ، وَنَصْحَبُهُ، فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ) قال السنديّ في "حاشية النسائيّ": قوله: "فقال: ما بال رجال … إلخ" استدلال بالنفي على ردّ الحديث الصحيح بعد ثبوته، مع اتّفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي، وظهور بطلانه بأدنى نظر، بل بديهة، فهذا جراءة عظيمة يغفر الله لنا وله. انتهى كلام السنديّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وأنا أقول: سامح الله السنديّ في هذه الجراءة العظيمة على هذا الصحابيّ الجليل -رضي الله عنه-، ولو أن إمام مذهبه خالف الحديث الصحيح، لما استجاز أن يقول هذا الكلام في حقّه، بل يعتذر عنه باعذار، لا تُسْمِن، ولا تغني من جوع، فكيف استجاز هذا الكلام البَشِع على هذا الصحابيّ الجليل -رضي الله عنه-؟ بل الصواب أن مثل هذا كثيرًا ما يصدر عن غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-، إذا سمعوا بعض الأحاديث التي كانوا يظنون أن حكم الشرع بخلافها، ظنًّا منهم أن الذي حدّث بها ربما يَهِم، وربما يحذف نسيانًا بعض القيود، أو الشروط التي ذكرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فتنبيهًا على هذا يصدر منهم إنكارٌ، لا لردّ ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-، فحاشا معاوية -رضي الله عنه- أن يُتّهم بمثل هذا، فقد أنكر عمر على عمّار -رضي الله عنهما- حديث التيمم للجنب، وأنكر على فاطمة بنت قيس -رضي الله عنهما- حديثها: ليس للمطلقة البائن نفقة، ولا سكنى، وأنكرت عائشة -رضي الله عنها- على ابن عمر وغيره أحاديث كثيرة، فالواجب علينا إذا سمعنا مثل هذا صدر عن الصحابة -رضي الله عنهم- أن نعتذر عنهم، ولا نطوّل ألستنا، بل نقول: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦]، والله تعالى المستعان على من تطاول على الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم.

وقال بعضهم: قوله: "فلم نسمعها منه" ظاهره أن معاوية -رضي الله عنه- لم يسمع هذا الحديث، ولا علمه، كما لم يعلمه في البداية عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبّاس -رضي الله عنهم-، وقد أخرج مالك، وأحمد، والشافعيُّ، عن عطاء بن يسار: "أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب، أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذا إلا مثلًا بمثل، فقال له


(١) "حاشية السنديّ على النسائيّ" ٧/ ٢٧٦.