في غير نوبته؛ لأن هذا ماء قد فضل عنه، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن منع فضل الماء، وخالفه في ذلك الأكثرون من المالكيّة وغيرهم، وقالوا: الأصل المنع من مال الغير بغير إذنه، إلا ما خرج بدليل، وهذه الصورة ليست الصورة التي ورد فيها الحديث المخصّص، قاله ولي الدين - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأكثرون هو الظاهر عندي؛ لظهور حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): أخرج ابن حبّان - رحمه الله - في "صحيحه"، من طريق ابن وهب، عن حيوة، عن أبي هانئ بن أبي سعيد مولى بني عفان، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا تمنعوا فضل الماء، ولا تمنعوا الكلأ، فيَهزل المالُ، وتجوع العيال"، وفي هذه الرواية التصريح بالنهي عن بيع الكلأ، فيَحتَمِل أن تعود إلى الرواية المشهورة في النهي عن بيعه بالتسبب بأن يمنع الماء، فيكون سببًا لمنع الكلأ، ويَحْتَمِل أن لا يُؤَوَّل بذلك، بل تجعل على ظاهرها من النهي عن بيع الكلأ، وهو محمول على غير المملوك، وهو الكلأ النابت في الموات، فمنعه مجرد ظلم؛ إذ الناس فيه سواء، أما الكلأ النابت في أرضه المملوكة له بالإحياء، فمذهب الشافعيّة جواز بيعه، وفيه خلاف عند المالكية، صحح ابن العربي الجواز، وقال ابن القاسم ومطرف: يبيع ويمنع ما في مروجه وحماه من ملكه، ويباح ما فضل عنه مما في فحوصها من التور والعفاء، إلا أن يكتنفه زرعه فله منعهم؟ للضرر، وسوّى ابن الماجشون بينهما في بيعه، إلا ما فضل عنه من العفاء، وسوّى أشهب في منعه، وقال: هو كالماء الجاري، لا يحل منع ما فضل عنه، ولا بيعه، إلا أن يحرزه، ويحمله، فيبيعه، حَكَى هذا الخلاف ابن شاس، وابن الحاجب، وحكى ابن بطال عن الكوفيين، والشافعيّ أن صاحب الأرض لا يملك الكلأ حتى يأخذه، فيحوزه، وما حكاه عن الشافعيّ مردود.
وقوله:"فيهزل المال، وتجوع العيال" تعليل للنهي عن بيع الكلأ، فإنه يترتب عليه هُزال المال، وهو الماشية؛ إذ ليس كل أحد يقدر على العلف،