للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

٣ - (ومنها): ما قاله وليّ الدين - رحمه الله -: إن لوجوب بذل الماء شروطًا مأخوذة من الحديث:

[أحدها]: أن يكون ذلك الماء فاضلًا عن حاجته، وهو صريح الحديث، فإن المنهيّ عنه منع الفضل، لا منع الأصل، ولذلك بوّب عليه البخاريّ في "صحيحه"، فقال: من قال: إن صاحب الماء أحقّ بالماء حتى يَرْوَى؛ لقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمنع فضل الماء".

[الثاني]: أن يكون البذل للماشية، وسائر البهائم، ولا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره على الصحيح عند الشافعيّة، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوريّ. وعن أحمد روايتان، وقال مالك: يجب عليه بذله للزرع أيضًا، إذا خشي عليه الهلاك، ولم يضرّ ذلك بصاحب الماء، واختلف أصحابه في أنه يستحقّ على ذلك عوضًا، أم لا؟ وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لا يمنع فضل الماء ليُمنَع به الكلأ" حجة للأولين، فإنه لا يلزم من منع سقي الزرع به منع الكلإ، وهو المعنى الذي عُلّل به الحديث، وإنما يلزم ذلك في منع البهائم، ويدلّ لمالك، ومن وافقه حديث جابر - رضي الله عنه - هذا، فإنه منع عن بيع فضل الماء، ولم يقيّده بمنع فضل الكلإ، لكنه عند غيره محمول على الحديث الآخر.

[الثالث]: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحًا، ويدلّ لهذا قوله في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ليُمنع به الكلأ"، فإنه متى وجد ذلك لا يلزم من منع الماء منع الكلإ؛ للاستغناء عنه بذلك الماء المباح.

[الرابع]: أن يكون هناك كلأ يُرعى، فلو خلت تلك الأرض عن الكلإ فله المنع؛ لانتفاء العلّة المعتبرة في الحديث. انتهى كلام وليّ الدين - رحمه الله - (٢).

٤ - (ومنها): أنه استَدّلّ ابن حبيب المالكيّ على أن البئر إذا تهايأ فيها مالكاها لهذا يوم، ولهذا يومٌ، فاستغنى صاحب النوبة عن الماء في ذلك اليوم، إما بعد أن سقى زرعه، أو لم يسق؛ لعدم احتياجه لذلك، فلشريكه أن يستقي


(١) "المفهم" ٤/ ٤٤١.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ١٨٠ - ١٨١.