ومنهنّ من اختار الأوسق، فكانت عائشة - رضي الله عنها - اختارت الأرض.
ومثل هذا لا يجوز أن يُنسَخ؛ لأن النسخ إنما يكون في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما شيءٌ عَمِل به إلى أن مات، ثم عَمِل به خلفاؤه بعده، وأجمعت الصحابة - رضي الله عنهم -، وعَمِلوا به، ولم يُخالف فيه منهم أحد، فكيف يجوز نسخه؟ ومتى كان نسخه؟ فإن كان نُسخ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف عُمل به بعد نسخه؟ وكيف خَفِي نسخه؟ فلم يبلغ خلفاءه، مع اشتهار قصّة خيبر، وعَمَلهم فيها؟ فأين كان رواي النسخ حتى لم يذكروه، ولم يخبرهم به؟
فأما ما احتجّ به المانعون، فالجواب عن حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - من أربعة أوجه:
[أحدها]: أنه قد فُسّر المنهيّ عنه في حديثه بما لا يُختَلَفُ في فساده، فإنه قال: كنّا أكثر الأنصار حَقْلًا، فكنّا نُكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه، فربّما أخرجت هذه، ولم تُخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما بالذهب والورق، فلم ينهنا. متّفقٌ عليه. وفي لفظ: فأما بشيء معلوم، مضمون، فلا بأس. وهذا خارجٌ عن محلّ الخلاف، فلا دليل فيه عليه، ولا تعارض بين الحديثين.
[الثاني]: أن خبره ورد في الكراء بثلث، أو ربع، والنزاع في المزارعة، ولم يدلّ حديثه عليها أصلًا، وحديثه الذي في المزارعة يُحمَل على الكراء أيضًا؛ لأن القصّة واحدةٌ، رُويت بألفاظ مختلفة، فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الآخر.
[الثالث]: أن أحاديث رافع - رضي الله عنه - مضطربة جدًّا، مختلفة اختلافًا كثيرًا، يوجب ترك العمل بها لو انفردت، فكيف يُقدّم على مثل حديثنا؟ قال الإمام أحمد: حديث رافع ألوان. وقال أيضًا: حديث رافع ضُرُوبٌ. وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدلّ على أن النهي كان لذلك، منها: الذي ذكرناه، ومنها: خَمْسٌ أخرى، وقد أنكره فقيهان من فقهاء الصحابة: زيد بن ثابت، وابن عبّاس - رضي الله عنهم -، قال زيد بن ثابت: أنا أعلم بذلك منه، وإنما سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رجلين قد اقتتلا، فقال:"إن كان هذا شأنكم، فلا تُكروا المزارع". رواه أبو داود، والأثرم.