وروى البخاريّ، عن عمرو بن دينار، قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، قال: إن أعلمهم - يعني ابن عبّاس - أخبرني أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَنْهَ عنها، ولكن قال:"أن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خَراجًا معلومًا".
ثم إن أحاديث رافع - رضي الله عنه - منها ما يُخالف الإجماع، وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق، ومنها ما لا يُختَلَف في فساده، كما بيّنّاه، وتارة يُحدّث عن بعض عمومته، وتارة عن سماعه، وتارة عن ظُهير بن رافع - رضي الله عنه -، وإذا كانت أخبار رافع هكذا، وجب اطّراحها، واستعمال الأخبار الواردة في شأن خيبر الجارية مجرى التواتر التي لا اختلاف فيها، وبها عمل الخلفاء الراشدون، وغيرهم، فلا معنى لتركها بمثل هذه الأحاديث الواهية.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "الأحاديث الواهية" فيه نظر لا يخفى، فكيف تكون واهية، وقد أخرجها الشيخان في "صحيحيهما"، واعتمدا عليها؛ بل الصواب أنها صحيحة، ويجب تأويلها بما لا يتنافَى مع حديث شأن خيبر، وذلك هو التأويل الأول في كلام ابن قُدامة، وغير ذلك مما سنبيّنه - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم.
قال:[الجواب الرابع]: أنه لو قُدّر صحّة خبر رافع (١)، وامتنع تأويله، وتعذّر الجمع، لوجب حمله على أنه منسوخ؛ لأنه لا بدّ من نسخ أحد الخبرين، ويستحيل القول بنسخ حديث خيبر؛ لكونه معمولًا به من جهة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى حين موته، ثم من بعده إلى عصر التابعين، فمتى كان نسخه؟
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى النسخ هنا غير صحيحة؛ لأن النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذّر العمل بالنصّين، وهنا لا يتعذّر، بل يُحْمَل على أحد المحامل التي ذكرها هو أو غيره، كما فعل هو هنا في حديث جابر، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما - حيث قال:
(١) هذه عبارة سخيفة، كيف يقال: لو قُدْر إلخ مع كونه هو الواقع حقيقةً، لا تقديرًا؟ فقد أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، واعتدّاه، فيا للعجب لمثل هذا!!! إن هذا لهو العجب العجاب!!!.