يقول: إنا نُعرِيها الناس، فتعيّن صرف اللفظ إلى موضوعه لغة، ومقتضاه في العربية ما لم يوجد ما يصرفه عن ذلك.
ولنا حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، وهو حجة على مالك، في تصريحه بجواز بيعها من غير الواهب، ولأنه أَبُو كان لحاجة الواهب، لما اختص بخمسة أوسق؛ لعدم اختصاص الحاجة بها، ولم يجز بيعها بالتمر؛ لأن الظاهر من حال صاحب الحائط، الذي له النخيل الكثير، يعريه الناس، أنه لا يعجز عن أداء ثمن العرية، - وفيه حجة على من اشترط كونها موهوبة لبائعها؛ لأن علة الرخصة حاجة المشتري إلى أكل الرطب، ولا ثمن معه، سوى التمر، فمتى وجد ذلك جاز البيع، ولأن اشتراط كونها موهوبة، مع اشتراط حاجة المشتري
إلى أكلها رُطَبًا، ولا ثمن معه، يفضي إلى سقوط الرخصة؛ إذ لا يكاد يتفق ذلك، ولأن ما جاز بيعه إذا كان موهوبًا، جاز وإن لم يكن موهوبًا، كسائر الأموال، وما جاز بيعه لواهبه، جاز لغيره، كسائر الأموال، وإنما سُمِّي عرية؛ لتعريه عن غيره وإفراده بالبيع. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأظهر عدم اشتراط كونها موهوبة للبائع؛ لوضوح مستنده، والله تعالى أعلم بالصواب، دماليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): أنه إنما يجوز بيعها بخرصها من التمر، لا أقل منه، ولا أكثر، ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلومًا بالكيل، ولا يجوز جِزافًا، قال ابن قُدامة: لا نعلم في هذا عند من أباح بيع العرايا اختلافًا؛ لما رَوَى زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص في العرايا، أن تُباع بخرصها كيلًا"، متفق عليه، ولمسلم:"أن تؤخذ بمثل خرصها تمرًا، يأكلها أهلها رُطَبًا"، ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين، وسقط في أحدهما للتعذر، فيجب في الآخر بقضية الأصل، ولأن ترك الكيل من الطرفين، يُكثِرُ الغرر، وفي تركه من أحدهما يقلل الغرر، ولا يلزم من صحته مع قلة الغرر، صحته مع كثرته.