ومعنى خرصها بمثلها من التمر: أن يُطيف الخارص بالعَرِيّة، فينظر كم يجيء منها تمرًا؛ فيشتريها المشتري بمثلها تمرًا، وبهذا قال الشافعيّ، ونقل حنبل عن أحمد أنه قال: يخرصها رُطَبًا، ويعطي تمرًا رُخصة، وهذا يَحْتَمِل الأول، ويَحْتَمِل أنه يشتريها بتمر، مثل الرطب الذي عليها؛ لأنه بيعٌ اشتُرطت المماثلة فيه، فاعتبرت حال البيع، كسائر البيوع، ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال، وأن لا يباع الرُّطَب بالتمر، وخولف الأصل في بيع الرُّطَب بالتمر، فيبقَى فيما عداه على قضية الدليل، وقال القاضي: الأول أصح؛ لأنه يبنى على خرص الثمار في العُشرِ الصحيح، ثم خرصه تمرًا، ولأن المماثلة في بيع التمر بالتمر معتبرة حالة الادّخار، وبيع الرطب بمثله تمرًا يفضي إلى فوات ذلك.
فأما إن اشتراها بخرصها رطبًا لم يجز، وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعيّ، والثاني: يجوز، والثالث: لا يجوز مع اتفاق النوع، ويجوز مع اختلافه، ووجه جوازه ما رَوَى الْجُوزَجاني عن أبي صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب، أو التمر، ولم يرخص في غير ذلك"، ولأنه إذا جاز بيع الرطب بالتمر، مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال، فلأن يجوز مع عدم ذلك أولى.
واحتجّ الأولون بما رَوَى مسلم بإسناده، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص في العرايا، أن تؤخذ بمثل خرصها تمرًا"، وعن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نَهَى عن بيع الثمر بالتمر، وقال:"ذلك الربا، تلك المزابنة"، إلا أنه رخص في العرية: النخلة، والنخلتين، يأخذها أهل البيت، بخرصها تمرًا، يأكلونها رُطُبًا، رواه مسلم، ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمرًا، فلم يجز بيعه بمثله رطبًا، كالتمر الجافّ، ولأن من له رطب، فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده، وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري على ما أسلفناه، وحديث ابن عمر شك في الرطب والتمر، فلا يجوز العمل به مع الشك، سيّما وهذه الأحاديث تبيّنه، وتزيل الشك. انتهى كلام ابن