(المسألة التاسعة): قال ابن قُدامة رحمه الله أيضًا: إن باع رجل عَرِيتين من رجلين، فيهما أكثر من خمسة أوسق جاز، وقال أبو بكر، والقاضي: لا يجوز؛ لِمَا ذكرنا في المشتري، ولنا أن الْمُغَلَّب في التجويز حاجة المشتري، بدليل ما رَوَى محمود بن لبيد، قال:"قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالًا محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أن الرُّطَب يأتي، ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه، وعندهم فضول من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر، الذي في أيديهم، يأكلونه رُطَبًا"، وإذا كان سبب الرخصة حاجة المشتري، لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع، فلا يتقيد في حقه بخمسة أوسق، ولأننا لو اعتبرنا الحاجة من المشتري، وحاجة البائع إلى البيع، أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق؛ إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين، فتسقط الرخصة، فإن قلنا: لا يجوز ذلك بطل العقد الثاني، وإن اشترى عريتين، أو باعهما، وفيهما أقل من خمسة أوسق جاز وجهًا واحدًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول الأول أرجح؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): أنه لا يشترط في بيع العرية، أن تكون موهوبة لبائعها، قال ابن قُدامة: هذا ظاهر كلام أصحابنا، وبه قال الشافعيّ، وظاهر قول الْخِرَقي أنه شرط، وقد روى الأثرم، قال: سمعت أحمد سئل عن تفسير العرايا؟ فقال: العريا أن يُعري الرجل الجار، أو القرابة للحاجة، أو المسكنة، فللمُعرَى أن يبيعها ممن شاء.
وقال مالك: بيع العرايا الجائز هو أن يُعري الرجلُ الرجلَ نخلات من حائطه، ثم يكره صاحب الحائط، دخول الرجل المعرَى؛ لأنه ربما كان مع أهله في الحائط، فيؤذيه دخول صاحبه عليه، فيجوز أن يشتريها منه.
واحتجوا بأن العرية في اللغة: هبة ثمرة النخيل عامًا، قال أبو عبيد: الإعراء أن يجعل الرجل للرجل ثمرة نخله عامَها ذلك، قال الشاعر الأنصاري، يَصِف النخل [من الطويل]: