للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء، بكون همام جعله من قول قتادة، ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء، وهو قوله، في حديث ابن عمر، في الباب الماضي: "وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق"، بكون أيوب جعله من قول نافع، كما تقدم شرحه، ففَصَل قول نافع من الحديث، وميّزه كما صنع همام سواءً، فلم يجعلوه مدرجًا، كما جعلوا حديث همام مدرجًا، مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك، وهمام لم يوافقه أحد، وقد جزم بكون حديث نافع مدرجًا: محمد بن وضاح وآخرون، والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان؛ وفاقًا لعمل صاحبي "الصحيح".

وقال ابن المواق: والإنصاف أن لا نُوَهِّم الجماعة بقول واحد، مع احتمال أن يكون سمع قتادةَ يفتي به، فليس بين تحديثه به مرة، وفتياه به أخرى منافاة.

قال الحافظ: ويؤيد ذلك أن البيهقيّ، أخرج من طريق الأوزاعي، عن قتادة أنه أفتى بذلك.

والجمع بين حديثي ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنه - ممكن، بخلاف ما جزم به الإسماعيلي.

قال ابن دقيق العيد: حسبك بما اتفق عليه الشيخان، فإنه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء، تعللوا في تضعيفه بتعليلات، لا يمكنهم الوفاء بمثلها، في المواضع التي يحتاجون إلى الاستدلال فيها، بأحاديث يَرِدُ عليها مثل تلك التعليلات، وكأن البخاريّ خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة، فأشار إلى ثبوتها، بإشارات خفية كعادته، فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع عنه، وهو من أثبت الناس فيه، وسمع منه قبل الاختلاط، ثم استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته؛ لينفي عنه التفرد، ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما، ثم قال: اختصره شعبة، وكأنه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن شعبة: أحفظ الناس لحديث قتادة، فكيف لم يذكر الاستسعاء؟ فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفًا؛ لأنه أورده مختصرًا، وغيره ساقه بتمامه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، والله أعلم.

وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه الطبراني