للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

الفواحش، فهذا تفسير لمعنى غَيْرة الله تعالى؛ أي أنَّها مَنْعُه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الناسَ من الفواحش، لكن الغيرة في حقّ الناس يقارنها تغير حال الإنسان، وانزعاجه، وهذا مستحيل في غيرة الله تعالى. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال القرطبيّ: الْغَيْرة: هَيَجَانٌ، وانزعاج يجده الإنسان من نفسه، يَحْمِل على صيانة الْحُرَم، ومنعهم من الفواحش ومقدماتها، والله تعالى مُنَزَّهٌ عن مثل ذلك الهيجان، فإنه تَغَيُّر يدلُّ على الحدوث، فإذا أُطلق لفظ الغيرة على الله تعالى فإنما معناه: أنه تعالى مَنَعَ من الإقدام على الفواحش، بما توعَّد ورتَّب عليها من العقاب والزجر، والذَّمّ، وبما نَصَب عليها من الحدود، وقد دلَّ على صحَّة هذا قوله في حديث آخر: "وغيرةُ الله أن لا يأتي المؤمن ما حرَّمه الله". انتهى.

وقال في "الفتح": "الْغَيْرَة" - بفتح المعجمة، وسكون التحتانية، بعدها راء - قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب، وهَيَجَان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشدّ ما يكون ذلك بين الزوجين.

هذا في حقّ الآدميّ، وأما في حقّ الله، فقال الخطابيّ: أحسن ما يُفَسَّر به ما فُسِّر به في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو قوله: "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حَرَّم الله عليه"، قال عياض: ويَحْتَمِل أن تكون الغيرة في حقّ الله الإشارةَ إلى تغير حال فاعل ذلك، وقيل: الغيرة في الأصل الْحَمِيَّة، والأَنَفَة، وهو تفسير بلازم التغير، فيرجع إلى الغضب، وقد نسب - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إلى نفسه في كتابه الغضب والرضا.

وقال ابن العربيّ: التغير محال على الله بالدلالة القطعية، فيجب تأويله بلازمه؛ كالوعيد، أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ونحو ذلك، ثم قال: ومن أشرف وجوه غَيْرته تعالى اختصاصه قومًا بعصمته، يعني فمن ادَّعَى شيئًا من ذلك لنفسه عاقبه، قال: وأشدّ الآدميين غيرةً رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان يَغار لله ولدينه، ولهذا كان لا ينتقم لنفسه. انتهى (٢).


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ١٣٢.
(٢) راجع: "الفتح" ١١/ ٦٦٧ - ٦٦٨ "كتاب النِّكَاح" رقم (٥٢٢٠).